فلسطين أون لاين

​"الطنطورة" تستعد لمسيرة الشهداء راكضةً وراء الذاكرة

...
مجزرة الطنطورة (أرشيف)
طولكرم - خاص "فلسطين"

في رواية "الطنطورية" التي تدور أحداثها حول قرية فلسطينية شهدِت مجزرةً مروعة بعد إعلان العصابات الصهيونية احتلال فلسطين؛ تقول الروائية الراحلة رضوى عاشور: "عند موت من نحب نكفِّنه؛ نلفه برحمة ونحفر في الأرض عميقاً؛ نبكي. نعرف أننا ندفنه لنمضي إلى مواصلة الحياة؛ أي عاقل ينبش قبور أحبابه؟"؛ وفي الرواية نفسها؛ قالت أيضاً: "ما المنطق في أن أركض وراء الذاكرة وهي شاردة تسعى إلى الهروب من نفسها، شعثاء مُعَفّرة مُروَّعة مسكونة بِهول ما رأت؟".

في إطار هذه الرسالة العميقة التي أرادت عاشور إيصالها؛ يواصل أهالي بلدة الطنطورة استعداداتهم لمسيرة الشهداء التي من المقرر تنظيمها يوم الجمعة القادم على أرض بلدة الطنطورة وتحديداً على أرض المقبرة التي تضم رفات مئات الشهداء ممن استشهدوا في المجزرة الجماعية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بعد احتلال البلدة.

وتقع قرية الطنطورة (20 كم) جنوبي مدينة حيفا شمال فلسطين المحتلة عام 48، وكانت العصابات الصهيونية قد ارتكبت فيها مجزرة فظيعة بتاريخ 22 و23 مايو/ آيار عام 1948، وقتلت بدم بارد أكثر من 200 شهيد؛ ليقام على أنقاضها مستعمرة نحشوليم ومنتجع سياحي.

يقول المحامي جهاد أبو ريا رئيس جمعية فلسطينيات؛ والمشرف على تنظيم المسيرة : "إن فلسطينيي الداخل وأهالي الطنطورة ينظمون مسيرة الشهداء هذا العام للمرة الثالثة، كانت الأولى عام 2015 والثانية في العام المنصرم".

وأضاف أبو ريا في حديث مع "فلسطين"، أنه سيشارك في المسيرة مجموعات كشفية، لتكون هذه أول مرة التي تدخل فيها مجموعات كشفية من فلسطينيي الداخل المحتل لقرى النكبة المهجرة.

وذكر أن المسيرة ستنطلق من مقبرة القرية التي حولها الاحتلال إلى موقف للسيارات لإخفاء جريمته؛ وسترفع أسماء الشهداء ليتجه المشاركون إلى بيت آل اليحيى الذي لا زال شاهدا على الجريمة التي ارتكبت بحق أهالي الطنطورة، بعد أن هدم الاحتلال جميع منازلها.

وتوقع أبو ريا مشاركةً كبيرة ممن تبقى من أهالي الطنطورة وفلسطينيي الداخل في المسيرة، مشيراً إلى حضور عدد من أهالي الطنطورة من الخارج مثل بلغاريا والدول الأوروبية للانضمام إلى مسيرة الشهداء.

وقال أبو ريا: "تعرضت قرية الطنطورة لأبشع المجازر؛ إذ تم إعدام 230 شابًا من سكان القرية، وكانوا يجِبرون الشُبان على حفر قبورهم بأيديهم ثم يطلقون النار عليهم، ومن ثم يحضرون مجموعة أخرى وهكذا".

وأضاف أن الطنطورة شهدت واحدة من المجازر المنسية التي لم يذكرها التاريخ لأن الاحتلال حاول التستر عليها، حتى لا يحمله أحد المسؤولية عنها وبالتالي لا يظهر الوجه العنصري القبيح لهذه الدولة.

وعن الهدف الرئيس من تنظيم المسيرة؛ قال: "نريد عبر هذه المسيرة أن ننادي بالعودة إليها، أن نكرم الشهداء؛ ونكشف الوجه الإجرامي لـــ (اسرائيل) أمام العالم"؛ مؤكداً تصميمهم على تنظيمها في مقبرة القرية سواء حصلوا على موافقة رسمية من الشرطة الإسرائيلية أم لا؛ بالرغم من العقبات التي يضعها الاحتلال في سبيل إعاقة تنظيمها أو نقلها إلى مكان آخر.

وكشف النقاب عن أن الاحتلال جرف المقبرة وأخفى معالمها لتوقعه أنه سيأتي يومٌ تُنبش فيه المقبرة، ولذلك قاموا بجرف المقبرة وألقوا الجثامين في البحر.

ويعقب بأسى: "لم يكتفوا بهدم البيوت والمساجد وتهجير الناس؛ بل لاحقوا الشهداء بعد استشهادهم؛ لكن أنّى لهم إخفاء الأدلة على ارتكاب مجزرة ستظل حية في عقول الأجيال".

وأكد أبو ريا أن هذه المسيرة تأتي في إطار السعي إلى إعادة بناء المقبرة من جديد؛ وإعادة القُدسية لها عبر تجديدها؛ بمساعدة أهالي الطنطورة ومؤسسات وهيئات مختصة في هذا المجال؛ لملاحقة كل من ارتكب هذه الجريمة وكل من طمس المقبرة.

ومن المقرر بناء نصبٍ تذكاري للشهداء أثناء المسيرة بمشاركة فنانين فلسطينيين عبر لوحات توثق الجريمة.

بدوره قال سليمان فحماوي مسؤول "جمعية المهجرين": "بهذه المسيرة نؤكد أن العودة ممارسةٌ وحق وليس شعارات ومفاوضات، نحن هنا للنظر إلى المستقبل ولنؤكد أن لنا حقاً في الطنطورة وكافة قرانا ومدننا؛ ولنتعهد أمام الشهداء أننا لن نسامح المجرمين الذين قتلوهم ولن نغفر لهم".

وتختلف مجزرة الطنطورة عن بقية المجازر في فلسطين، كونها ارتكبت على يد قوات جيش الاحتلال بعد أسبوع من إعلان قيام (إسرائيل)، ووقع الاختيار على هذه القرية بسبب موقعها على ساحل البحر المتوسط، ولأن جيش الاحتلال اتهم أهلها بأنهم يتخذون منها مرفأً للحصول على السلاح.