فلسطين أون لاين

معيقات وحلول تعلُّم اللغة الثانية

...
إيمان القيق

إن اللغة تكون أفضل تعلُّمًا في السنوات الأولى من الطفولة، لكن كلما تقدَّم الإنسان في العمر، يواجه قيودًا معينة في القدرة على اكتساب لغة جديدة، مثل: الإنجليزية والفرنسية وغيرهما، إذ أثبتت أكبر الدراسات اللغوية أن المراهقين أو البالغين الذين يبدأون في تعلُّم لغة ثانية سيفشلون في تحقيق الطلاقة اللغوية، في حين الأطفال -نظرًا لأنهم يتعلمون اللغة في سن مبكرة- يبدو أنهم بارعون بها مثل المتحدثين الأصليين.

أيضًا أثبتت الدراسات أنه من الأفضل تعلُّم اللغة قبل سن العاشرة؛ لتحقيق الطلاقة النحوية للمتحدث الأصلي، لذلك نجد أن الأطفال يحققون كفاءة أكبر في إتقان قواعد اللغة و أساليبها.

هناك ثلاثة أسباب رئيسة تؤدي إلى انخفاض القدرة على تعلُّم اللغة، لا سيما بعد سن 18 سنة، تتمثل في: التغيرات الاجتماعية، التدخُّل من اللغة الأساسية للفرد، واستمرار نمو الدماغ. للتوضيح أكثر تمعَّن هذا المثال:

يتخرج الطلاب من المدرسة الثانوية ويواصلون الدراسة الجامعية أو يحصلون على عمل بدوام كامل، بمجرد أن يفعلوا ذلك، قد لا يكون لديهم الوقت أو الفرصة أو البيئة المناسبة لتعلُّم لغة جديدة، على عكس من هم أصغر سنًا. أيضًا، من الممكن أنه بعد إتقان لغة أولى، تتداخل قواعدها مع القدرة على تعلم لغة ثانية. أخيرًا، التغييرات في الدماغ التي تستمر أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات، قد تجعل التعلُّم أكثر صعوبة.

هذا لا يعني أننا لا نستطيع تعلُّم لغة جديدة إذا تجاوزنا سن العشرين، هناك أمثلة عديدة لأشخاص يلتقطون لغة في وقت لاحق من الحياة، و يبدو أن قدرتنا على تعلُّم مفردات جديدة تظل ثابتة، ولكن الصعوبة تكمن في إتقان قواعد اللغة مثل المتحدثين الأصليين.

عندما يتعلم الكبار لغة أجنبية، فإنهم يربطونها دون وعي بكلمة مماثلة في لغتهم الأم، إذ إن المعلومات ثنائية اللغة صعبة الحفظ. و يرتبط تأثير سلبي لاستخدام اللغة الأم في إنشاء نظام اللغة الثانية، بحقيقة أن البالغين يواصلون التفكير في اللغة الأم ويحاولون التحدث باللغة الثانية، و هذا صعب للغاية؛ لذا يتوصل معظم البالغين إلى نتيجة خاطئة مفادها أنهم غير قادرين على تعلُّم اللغة ويتعرضون لمشكلة الترجمة المتقاطعة أو "طغيان اللغة الأم".

لشرح سبب عدم تمكن شخص بالغ من تعلم لغة أجنبية عن طريق الحفظ عن ظهر قلب باستخدام معلومات ثنائية اللغة، أحتاج إلى تذكيرك بنظامين للعقل، قدَّمها دانييل كانيمان الحائز على جائزة نوبل، يعمل النظام الأول للعقل (system one) تلقائيًّا وبسرعة، بجهد ضئيل أو بدون جهد وإحساس، بالسيطرة الطوعية، أما النظام الثاني للعقل (system two) فهو يخصص الانتباه إلى النشاط العقلي المجهد وبالتالي فهو بطيء.

إذا كنت تتعلم لغة أجنبية بهدف التواصل، فأنت بحاجة إلى تطويرها لتصبح (system one)؛ لهذا السبب يجب استبدال الأساليب التقليدية لتعلم لغة أجنبية، والتي تتمثل بالحفظ عن ظهر قلب، بمهارات لغوية للتدريب اللاواعي .
التدريب اللاواعي هو أفضل بديل للبالغين لأنه ينتمي إلى النظام الأول (system one) .مثلا، العزف على آلة موسيقية أو مهارات الدفاع عن النفس أو التحدث بلغة أجنبية، يتم تدريب كل هذه المهارات على أنها (system one) . أثناء تدريب على هذه المهارات يكتشف الدماغ و يسجل الأنماط التي يمكنه القيام بها دون جهد واع و بأقل قدر من الاهتمام، أي بدون عناء.

أريد تأكيد أن الأطفال يستخدمون النظام الأول (system one) في اكتساب لغتهم الأولى والثانية. أيضا تحتفظ نسبة صغيرة من البالغين (أقل من 5%)، بالقدرة على تصور الكلمات المكتوبة والمنطوقة، تحافظ هذه الفئة على قدرة الطفل في تعلم لغة جديدة دون الرجوع إلى اللغة الأم ،حيث يأتي علماء اللغة من هذه الفئة الصغيرة من الناس.

جميع البالغين قادرون على تعلم لغة ثانية؛ لتحقيق هذا الهدف بسهولة يحتاجون الى استخدام نهج مختلف، عن طريق التدريب اللاواعي الذي يهدف إلى استعادة القدرة الفطرية لدى البالغين لتعلم لغة جديدة.

الطريقة الوحيدة التي أثبتت نفسها في حل المشكلة واستعادة القدرة الفطرية لدى البالغين على تعلم لغة أجنبية هي إدخال عادة جديدة على تعلم اللغة، والتي تتمثل في أداء ثلاث مهارات في الوقت نفسه: القراءة، الاستماع، والمحادثة، مما يدفع الدماغ إلى أن يوقف تلقائيا الترجمة التبادلية إلى اللغة الأم، عندما يحد ذلك يشكل مركز للغات الأجنبية في دماغ الشخص البالغ لأن الرموز القديمة التي رُبطت سابقا مع كلمات اللغة الأم أعيد ربطها الآن بالكلمات بلغة ثانية.

حتى لا تجد صعوبة في اكتساب لغة يجب التوقف عن استخدام الأساليب التقليدية للتعليم الواعي (الحفظ عن ظهر قلب) والبدء في استخدام مهارات لغة التدريب اللاواعي التي تنتمي إلى النظام الأول للعقل، يتميز التعليم الواعي بمنحنى النسيان بينما التدريب اللاواعي خالٍ من الإجهاد وليس له منحنى نسيان، و أخيرا، لا يسعنا أن ننسى أن الانغماس في بيئة اللغة له تأثير كبير على تعلُّمها.