حتى اللحظة، فإن مروان البرغوثي مصر على المنافسة على منصب الرئيس، هذا ما أكدته زوجته المحامية فدوى البرغوثي، وهذا ما تؤكده المعطيات السياسية والتنظيمية داخل حركة فتح، فالأسير مروان البرغوثي، ومِن خلفهِ قطاعٌ عريض من تنظيم حركة فتح، ومن جماهير الشعب الفلسطيني، التي ملت حالة التدهور التنظيمي والسياسي، وتميل إلى التغيير، وتفتش عن شخصية شابة قوية مناضلة، موضع ثقة وإجماع، شخصية وطنية قادرة على قيادة المرحلة بكل مسؤولية وأمانة، وهذا ما أكدته استطلاعات الرأي، وهذا ما يعرفه مروان البرغوثي.
لقد حاول مروان البرغوثي أن يترشح للرئاسة سنة 2005، وكان مقتنعًا وقتها بأن لديه من المؤيدين ما يفوق مؤيدي محمود عباس، وكان يعرف أنه من خلف الأسوار لقادر على العمل من أجل فلسطين أكثر من الطلقاء، ومع ذلك، فقد انكسر أمام الضغوط التي انهالت عليه من كل اتجاه، في ذلك الوقت زاره حسين الشيخ وآخرون في سجنه لثنيه عن الترشح، وفي ذلك الوقت تناولته مقالات بعض كتاب حركة فتح بالتشهير والإساءة، حتى إن الحرس القديم في تنظيم فتح، أعد البيانات والمقالات المطولة مدحًا بعباس وتحذيرًا من مروان، وشارك في الحملة رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير فاروق القدومي، الذي كتب مقالًا مطولًا ضد مروان البرغوثي، وجرمه على تجرئه على القيادة التاريخية، وحذره من مجرد التفكير بترشيح نفسه للرئاسة.
ومنذ 2005 وحتى اليوم، عبرت على مروان البرغوثي سنوات قاسية خلف الأسوار، تغير خلالها الواقع الفلسطيني إلى الأسوأ، ولم تتغير وحشية قضبان السجن، التي أطبقت على بعض الأسرى أكثر من ثلاثين عامًا، تعلّم خلالها مروان البرغوثي الدرس الذي يحرضه الآن على المنازلة، وفي الوقت نفسه يعطيه الثقة بأن وجوده خلف القضبان مفخرة للشعب الفلسطيني، ليغدو من موقعة خيار كل التنظيمات، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد، اللتان لن تجدا شخصية فلسطينية يجمع عليها الشعب الفلسطيني مثل شخصية مروان البرغوثي، وهذا ما تتوافق عليه بعض التنظيمات الفلسطينية المشاركة في منظمة التحرير، مثل تنظيم الشعبية والديمقراطية، إضافة إلى المستقلين والحالمين بوطن يتسع للجميع.
إصرار مروان البرغوثي على دخول حلبة النزال يمثل كابوسًا مرعبًا ومخيفًا لمعظم قيادات حركة فتح التقليدية، ولا سيما أولئك الذين يستمدون قوتهم وحضورهم من ولائهم للرئيس، وينتظرهم مستقبل غامض إذا فاز مروان البرغوثي، وليس أمام هؤلاء، أو بعضهم بالتحديد، إلا تدارك الأمر، واللحاق بركب مروان البرغوثي سرًّا أو علانية، معتذرين طائعين، تاركين السيد محمود عباس أمام خيارات ثلاثة:
الخيار الأول: أن يتحالف السيد عباس مع حركة حماس في قائمة انتخابية مشتركة، على أن تدعم حركة حماس السيد عباس في الانتخابات الرئاسية، وهذا الخيار صعب، ومحفوف بالمخاطر، ولا سيما أن المسافة الفاصلة بين انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة تسمح بإعادة الحسابات، وقراءة الاعتبارات من جديد، وفق نتائج انتخابات التشريعي.
الخيار الثاني: أن يستعين السيد عباس بالمخابرات المصرية والأردنية، وأن يشركهما في تحمل المسؤولية، ويطرح عليهما الخروج الآمن له ولأسرته ولبعض أنصاره، ويترك لدولة مصر والأردن التدخل المباشر لترتيب الانتخابات الرئاسية وفق مصلحة النظام العربي.
الخيار الثالث: أن يصدر السيد عباس مرسومًا رئاسيًّا يلغي فيه الانتخابات التشريعية والرئاسية، على أن يحمّل مسؤولية ذلك بشكل أو بآخر إلى حركة حماس، التي ستشارك في لقاءات نهاية شهر مارس، وستناقش جملة من الملفات الصعبة والمصيرية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأزعم أن الخيار الثالث هو الأقرب إلى التنفيذ، ما لم تتدخل قوى إقليمية ودولية، لها مصلحة بتجديد الشرعيات، وتتعارض مصالحها مع بقاء الحال على ما هو عليه.