في الوقت الذي يتحدث فيه العسكريون الإسرائيليون عن مزايا استحواذهم على منظومة القبة الحديدية، خاصة المزايا الاستراتيجية المهمة الكامنة فيها، لا سيما لمواجهة منظومات الصواريخ متعددة المديات، القادمة من عدة جبهات من الشمال والجنوب والشرق، لكنها في الوقت ذاته تعبير عن اختيار استراتيجية "تجنب" القرارات الكبرى ضد الجيوش العصابية المسلحة داخل حدودها على استراتيجية "الحسم".
تشكل منظومة القبة الحديدية إنجازًا تقنيًّا وتشغيليًّا، يحمي بنيتها التحتية الوطنية الحساسة من الأذى، ويخلق رادعًا سلبيًّا لأعدائها، لكنها في الوقت ذاته تضع علامة استفهام استراتيجية عميقة حول تكامل النظام في نظرية الأمن القومي الإسرائيلي.
تختلف منظومة القبة الحديدية عن منظومة آرو التي تم بناؤها للتعامل مع التهديدات غير التقليدية، مثل صواريخ تحمل أسلحة كيميائية وبيولوجية، وفي المستقبل ربما نووية، إضافة للتهديدات الدقيقة للبنى التحتية الحيوية.
كل هذه التهديدات تشكل استجابة خطرة ووجودية على (إسرائيل)، في حين أن الغرض من القبة الحديدية مختلف، ومن ثم فإن استراتيجيتها العسكرية تنشئ معضلة حقيقية بين المنظومتين.
يبدو واضحًا أن من سلبيات هذه المنظومة الدفاعية أنها تسمح لصانعي القرار الإسرائيلي بالعيش في ظل الصواريخ، وتجنب السعي لإيجاد حل دائم للتحدي الاستراتيجي الناشئ عن وجود جيشين عصابيين، حزب الله وحماس، على حدود (إسرائيل)، رغم أنها تسهم في تقليص الضرر الذي يلحق بالجبهة الداخلية خلال أوقات الحرب، الأمر الذي يسمح لهما بأن تفرضا على الإسرائيليين تعطيل حياتهم.
هذا الوضع يعني تآكل الردع الإسرائيلي، لأنه لا يتجه نحو إيجاد حل دائم وعميق للمشكلة الاستراتيجية المتمثلة بالصواريخ التي تحوزها حماس وحزب الله، فلا يزال الإسرائيليون يعانون صدمة الإنذار في منتصف الليل، والهروب إلى خدمات الطوارئ، والاختباء في الملاجئ، وهذا ثمن إضافي فيما ينفقه جيش الاحتلال الإسرائيلي من موازنات مالية، بدل أن يتجه إلى إيجاد حلول لهذه التحديات الاستراتيجية.
في هذه الحالة، لا تستطيع (إسرائيل) امتصاص نيران بعيدة المدى على جبهتها الداخلية، وعليه ستخوض الحرب عندما يطلق العدو مثل هذه النيران، ومن ثم فإن جبهتها الداخلية ستكون مكشوفة، مع أن صناع القرار المدافعين عن استخدامها يرون هذه المنظومة بديل للحل الاستراتيجي، ويتذرعون بأن ذلك الحل يتطلب حملة عسكرية كبيرة، من شأنها أن تكلف جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر بشرية بين قواته المقاتلة.
الخلاصة أن الاعتماد الإسرائيلي على منظومة القبة الحديدية حلا وحيدا لمواجهة التهديدات الصاروخية يعني تجنب الذهاب إلى حلول أكثر استراتيجية؛ بزعم تكاليفها العسكرية والنفسية الباهظة، ما يعني أن تلقي هذه السياسة بظلالها على فشل كبير في صنع القرار الإسرائيلي.