توظف (إسرائيل) وباء كورونا سياسيًّا، من أجل السيطرة على المسجد الأقصى، وليس أدل على ذلك من منع المصلين، خمسة أسابيع متتالية، من أداء صلاة الجمعة في المسجد.
تمنع كل المصلين، من أهل القدس، ومعهم الشعب الفلسطيني، من أبناء المدن والقرى الفلسطينية، المحتلة عام 1948م، وتسمح فقط لمن يسكنون البلدة القديمة في القدس، وكل هذا بذريعة الإجراءات الاحترازية، بسبب وباء كورونا، الذي بات جنديًّا من جنود الاحتلال، برضاه، أو دون رضاه، وهي الجهة الوحيدة في العالم، التي تستفيد من الوباء.
الهدف فرض السيطرة الإسرائيلية على الحرم القدسي، والقول للمقدسيين، والفلسطينيين، والعرب: إن القرار في الحرم القدسي هو لـ(إسرائيل)، حصرًا، حاكمةً لا محتلةً، وهذا التحكم البشع ليس جديدًا، فقد أغلقت (إسرائيل) الحرم القدسي، مرارًا.
(إسرائيل) تدرك أن منع الصلاة، ومنع المصلين من الوصول، لهما آثار اقتصادية واجتماعية أيضًا، إذ إن آلاف المحلات التجارية في البلدة القديمة تعيش من حركة الناس، ووصولهم إلى المسجد الأقصى، وهذه الإغلاقات تؤدي إلى تدمير البنية الاقتصادية لمن يعيشون في القدس، خصوصًا المقدسيين وأبناء الخليل في المدينة المحتلة.
الغاية هنا إسقاط القطاع التجاري، وإغراقه بالضرائب، وصولًا إلى فرض الغرامات، والسطو على المحلات التجارية، من أجل صناعة واقع اجتماعي مترهل وهش وضعيف، يؤدي إلى نتائج وخيمة، أقلها بيع العقارات، أو السطو عليها قانونيًّا، بذريعة وجود مستحقات مالية على أصحابها، لم تدفع لسلطات الاحتلال.
دول كثيرة في العالم تمنع التجمعات، بسبب كورونا، أو تسمح بها، ضمن إجراءات احترازية، لكن (إسرائيل) وجدت الفرصة، لمنع الصلاة، ومنع تدفق المصلين، فالمسجد الذي كان يصلي فيه نصف مليون شخص في بعض الجمع يعاني اليوم الإغلاقات، ومحاولات (إسرائيل) مد سيطرتها على كل شيء، داخل الحرم القدسي، والبلدة القديمة، وكل سوار المدينة الاجتماعي، في المدينة ذاتها، وقراها أيضًا، التي لحقها ضرر كبير.
مشهد الجمعة الماضية كان محزنًا جدًّا، فقوات الشرطة الإسرائيلية منعت دخول الآلاف إلى الحرم القدسي، وبعضهم صلى في الشوارع خارج البلدة القديمة، وكان الحرم القدسي شبه فارغ، سوى من قدموا للصلاة وهم من أبناء البلدة القديمة، أي داخل السور.
كانت ذريعة الشرطة وجود قرارات إسرائيلية، بشأن وباء كورونا، وهذه مجرد ذريعة، فـ(إسرائيل) ذاتها لا تطبقها على مجموعات المتطرفين والمتدينين لديها، بل تخص بها الفلسطينيين، في الوقت الذي تمنع فيه وصول لقاحات كورونا إلى الفلسطينيين، في الضفة الغربية، وهي ذاتها التي تخشى الوباء، لكنها تمنع اللقاحات عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، برغم تداخلهم مع بقية الفلسطينيين، ببقية مناطق فلسطين، في بعض التواقيت.
الذي يعود إلى تصرفات (إسرائيل) منذ ظهور وباء كورونا يجدها منعت صلاة الجمعة عشرات المرات، خلال عام 2020م، وأغلقت الحرم القدسي، مرارًا، وكأنه مجرد بقالة في (تل أبيب)، وقد وجدت في الوباء فرصة، للتنكيل بالفلسطينيين، لكن غاياتها متعددة، بحيث أصبحت ليست دينية أو سياسية وحسب، بل من أجل تدمير كل القطاع التجاري في البلدة القديمة، وهو قطاع يعاني أساسًا مشاكل الركود، وغياب السياح، وكثرة الضرائب، ومضايقات الاحتلال، وكثرة الإغلاقات الأمنية، حتى دون وباء كورونا.
آثار الإغلاقات الإسرائيلية على المدينة المحتلة، على صعيد المقدسيين وبقية الفلسطينيين، لن تكون سهلة، لأن كلًّا يعرف أن الأوضاع الاقتصادية سيئة أساسًا، في حين سيؤدي توظيف (إسرائيل) وباء كورونا بهذه الطريقة، وبذريعة الخوف من العدوى، إلى نتائج اقتصادية واجتماعية خطرة، تصب في مصلحة إضعاف الحماية الشعبية للمسجد الأقصى، وهذا يعني أننا مع نهايات عام 2021م سنجد أنفسنا في وضع أكثر خطورة، حين يتضرر كل هؤلاء، بسبب الإجراءات الإسرائيلية، التي تستهدف أهل القدس، ومن فيها من فلسطينيين.
منذ شهر آذار 2020م إلى يومنا هذا يشهد المسجد الأقصى أكبر عملية إخلاء قسري، إخلائه من المصلين، والمرابطين والزائرين، مع خط موازٍ، يقوم على إفقار أهل القدس، وتفقيرهم، بتحويل كل القطاع التجاري في البلدة القديمة إلى هيكل آيل للسقوط، بسبب وقف تدفق الناس، وهذه أخطر عملية في تاريخ القدس، أي محاولة المحو الديني والاقتصادي التدريجي، وصولًا إلى محو هوية المكان السياسية والاجتماعية.