حلت أزمة كورونا على العالم أجمع لتفرض ظروفًا وواقعًا لم يألفهما الناس، لا سيما فيما يتعلق بمواسم الأفراح التي كانت ترتبط بطقوس وعادات خاصة، ولكن هذه الأزمة دفعت كثيرين إلى اختصار خطوات الزواج.
وسجلت المحاكم الشرعية في قطاع غزة ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الزواج في عام 2020م إذ بلغ عددها 20919 حالة، مقابل 17270 حالة في عام 2019م، بفارق عددي 3649 حالة زواج، بمعدل 21.1%.
الشاب حسام الحاطوم (29 عامًا) من مدينة غزة، تزوج أخيرًا مع أزمة كورونا، يرى أن الجائحة التي تسود العالم على سلبياتها وفرت مناخًا ملائمًا له ولغيره من الشباب المقبلين على الزواج، لإتمام هذه المراسم بأضيق نطاق.
يقول لصحيفة "فلسطين": "إن الجائحة أعطت طقوس الزواج طابعًا جديدًا وجميلًا، خاصة لأهالينا، فعادت بهم إلى الزمن القديم عندما كان الفرح يقتصر على المقربين درجة أولى والأحباب".
ويشير الحاطوم إلى أن الفرح في زمن كورونا محصور بوقت ضيق جدًّا، ففي الأيام العادية يبدأ الفرح عند الساعة السابعة مساء، ولكن اليوم على العكس ينتهي السادسة مساء، فأهل الفرح يسابقون الوقت لإنجاز كل الأمور.
ويوضح أن كورونا هيأت مناخًا مناسبًا لكثير من الشباب للتخفيف من طقوس الزواج، إذ وفرت على بعضٍ القيام بعادات غير مقتنع بها، وقللت من الأعباء المالية.
لكن الشابة سارة علي (24 عامًا) خريجة هندسة كهربائية، وتقطن في مدينة غزة، تقول: "صحيح أن كورونا وفرت ظروفًا ملائمة لبعض الشباب للزواج، لكن التكاليف المادية لم تتغير كثيرًا، فأغلبها ضروري ومهم، ما عدا حجز الصالة".
وتلفت إلى أن الوضع المالي "الصعب" في القطاع وما يعانيه من حالة ركود "لا يشجع فكرة الزواج وما يترتب عليها من تكاليف"، من وجهة نظرها.
وترى سارة أن الجانب الاجتماعي "حقه مهضوم، لأن الأمر يقتصر على المقربين جدًّا، ويستثني الكثير من الأحباب والأصدقاء، وإلى جانب ذلك الخوف من إقامة الحفل والاختلاط مع الناس، وحالات الحجر المنزلي لبعض المقربين".
وتعتقد أن "الأمور المالية في أوقات الفرح والزواج تكون في المرتبة الثانية بعد الفرحة والراحة النفسية"، مشيرة إلى أن ما دفعها إلى قبول الزواج في هذه الأزمة طول مدة الخطوبة.
بيئة خصبة
من جهته يقول الاختصاصي النفسي والاجتماعي إسماعيل أبو ركاب: "إن كورونا وفرت المناخ المناسب لعدد كبير من المواطنين، خصوصًا في الجوانب المادية، وتقليل التكاليف والحد من المراسم الخاصة بالزواج التي تثقل كاهل العريس وأهله مع الأزمة الاقتصادية القاسية، كما وفرت البيئة الخصبة لإعادة النظر في بعض المفاهيم والعادات الخطأ من البذخ في الملبس والمأكل على حساب العيش بأمان واستقرار في بداية الحياة الزوجية".
ويوضح أبو ركاب أن الأغلب يعتقد أن طقوس الزواج الهدف منها إظهار الفرحة، ولأجل ذلك يستدين العريس وأهله ويتحملون أعباء مالية كبيرة، انطلاقًا من أنها فرحة واحدة بالعمر.
وينبه إلى أن بعضًا قد تناسى أن تلك المبالغ لو أنفقها العريس على نفسه في بداية حياته الزوجية لكان أكثر سعادة من غيره، ولما وقع في فخ الديون والسداد، وسرقت منه الأيام السعيدة التي كان حقًّا هو أحوج الناس لها.
ويبين أبو ركاب أن أغلب العائلات المستوردة ذات الدخل المتوسط عملت على استثمار تلك الفرصة التي لن تتكرر، وعقدوا قران أبنائهم، مكملًا: "من فكر بهذه الطريقة لديه الحق في ذلك؛ فكل قرش كان سينفق في طقوس ليس لها داعٍ العريس أولى أن يستفيد منه، مع عدم ممانعتي إقامة طقوس لأفراح ممكن أن تشعر العريس والأسرة بالفرحة".
ويشير إلى أن بعضًا تجاوز الحدود في تلك الطقوس ووصلت إلى حد التبذير والإسراف، مضيفًا: "وأكاد أجزم أن بعض العائلات في غزة عند سماعها خبر قرب افتتاح صالات الأفراح عمدت إلى استعجال الفرصة، والانتهاء من مراسم أفراحها، قبل افتتاح الصالات، للتقليل من النفقات".
ويتابع أبو ركاب: "بمقارنة سريعة قبل كورونا لا أعذار لمن تغيب عن مراسم الفرح، وبعدها أصبح الناس أكثر تعذرًا، قبل كورونا هناك طقوس يجب أن تقام في أثناء الفرح وقبله وبعده، الآن أي طقوس بسيطة يشعر معها العروسان بالفرحة، وليس بالضرورة أن تكون مكلفة، قبل الأزمة كان الجميع ينظر من زاوية أنها فرحة العمر ونريد أن نفرح بكل الطرق، ولو على حساب العريس وأهله، ولكن اليوم كلٌّ يقول مثلي مثل الناس".
ويعتقد أن أغلب المشاكل المتعلقة بالزواج في السابق هي اشتراط أهل العريس أو العروس إقامة طقوس معينة بحجز صالات أفراح محددة، أو استئجار فرقة معينة، أو اشتراط برتوكول لمراسم الفرح، كل ذلك انتهي منه في عصر كورونا، بل تكاد الطقوس تقتصر على حدود معينة أجبرهم عليها الواقع الصحي والبيئي.
ويكمل أبو ركاب: "بناء على ذلك قلت المشاكل المتعلقة بمراسم الأفراح، وأصبح الجميع مقدرًا لحجم المخاطر، والناس تراعي ظروف الآخرين من ناحية الحضور إلى الفرح أو التكلف في أخذ الهدايا".