فلسطين أون لاين

حينما تبني الكلمة مجدًا

...
ريما عبد القادر

قد تنظر إليها أنها مجرد كلمة، لكنها في حقيقة الأمر أساسات متينة يبنى عليها أمجاد يذكرها التاريخ الإسلامي على مر سنوات طويلة جدًّا.

فالكلمة الطيبة كان لها أثر عظيم جدًّا في حياة التلميذ الفطن محمد بن إسماعيل البخاري (رحمه الله تعالى) حينما سمع شيخه فضيلة العلامة إسحاق بن راهويه (رحمه الله تعالى) وهو يتكلم في مجلس طلابه: "لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"، فوقعت هذه الكلمات في قلب البخاري، الأمر الذي أثمر كتاب "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسنته وأيامه" المشهور باسم "صحيح البخاري".

ويعد هذا الكتاب من أصح الكتب بعد كتاب الله (تعالى)، وقد ألفه في ست عشرة سنة، وخرجه من ستمائة ألف حديث، وجعله حجة بينه وبين الله (عز وجل).

فلا يزال هذا الأمر عالقًا في ذهني منذ أن قرأت هذه الكلمات، ليرتسم في مخيلتي، وقد وقع أثره في قلبي، فكان هذا العمل العظيم مجرد كلمات قليلة قالها شيخ أمام تلميذه، فوقع أثرها إلى يومنا هذا، وحتى أجيال قادمة، من المحال ألا تعرف "صحيح البخاري"؛ لأنه جزء من عقيدة المسلم الصحيحة.

تذكر أن كل ذلك كان أثر كلمة!

نعم، أثر كلمات خرجت من شيخ لتلاميذه فعقلها الفطن، لذلك لا تستصغر كلماتك أمام الآخرين فقد تبني أمجادًا، وتكون حروفها هي حروف الكلمات التي نطقت بها، فعقلها الفطن بتوفيق من الله (تعالى).

أتعلم أنك ستحصد أجر ثمرات هذه الكلمة؟ فقد كنت المفتاح الذي فتحت به أبواب الخير بتوفيق من الله (تعالى)، فألهمت غيرك بهذا الفعل الذي يخدم الإسلام والمسلمين.

فحينما تجول في ذهنك فكرة، وكنت ترى عدم قدرتك على تطبيقها لأي سبب كان أو أنك حاولت، لكن لم تستطع استكمال الأمر، فلا تحصر هذه الفكرة في عقلك خشية أن يطلع عليها الآخرون، فقد تكون أنت البذرة التي يزرعها الفلاح المجتهد في أرضه فتزهر الأرض وتثمر وتنفع البشرية، فيكتب الله (تعالى) لك فيها بساتين من الأجر العظيم وأنت لا تعلم.

لذلك قبل أن تتحدث فكر جيدًا هل هذا الكلام سيثمر الشجرة الطيبة أم ستكون بمنزلة النيران التي تحرق القلوب قبل أن تحرق بساتين الخير؟

كن أنت صاحب الكلمة الطيبة فقد تبني أمجادًا بها فتنهال ثمار الخير عليك وعلى المسلمين، وتذكر قول النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ"، هذا الحديث رواه البخاري، هو ذاته الذي تحدثت عنه؛ فكن التلميذ الفطن الذي يعقل معنى الكلمة الطيبة في قولها عند نطقها، وفي تطبيقها عند سماعها.