فلسطين أون لاين

خبير علم ميكروبات يكشف لـ"فلسطين" مسار كورونا وتوقعات المرحلة المقبلة

...
غزة- مريم الشوبكي:

لا يزال فيروس كورونا يضرب العالم بقوة، ويسجل أعداد إصابات كبيرة ووفيات أيضًا، في حين يجيب خبير في علم الميكروبات بغزة عن تساؤلات عن مسار هذا الفيروس وتوقعات المرحلة المقبلة، ومدى فاعلية اللقاحات.

حاورت صحيفة "فلسطين" أستاذ علم الميكروبات في الجامعة الإسلامية د. عبد الرؤوف المناعمة، الذي يجيب عن سؤال: هل نحن ذاهبون إلى انخفاض في أعداد الإصابات؟ بقوله: "لا يمكن الجزم بهذه الفرضية، ستبقى نسب الإصابة مرهونة بالإجراءات الرسمية المتخذة، ومدى التزام السكان بإجراءات التباعد الجسدي والنظافة العامة والشخصية".

ويتابع: "يمكن أن تنخفض الأعداد في الإجازات وترتفع في المناسبات الوطنية والأعياد أو مع وجود أنشطة تتطلب تجمهر السكان، وتعرف هذه التجمعات بأحداث ناشرة للفيروس بشكل واسع Super spreader) events)".

ويتوقع أستاذ علم الميكروبات للمرحلة القادمة فيما يخص كورونا أن الأعداد ستبقى بين ارتفاع وانخفاض، بين تخفيف وتشديد إلى أن يحدث اختراق في موضوع اللقاح وأن تتشكل مناعة مجتمعية مرتفعة، لذلك يجب أن يبقى الجميع متيقظًا حذرًا وأن يتبع التعليمات بصرامة.

وتسببت الجائحة بوفاة نحو مليونين و134 ألف شخص في العالم، وأصاب الفيروس نحو 99 مليونًا منذ ظهوره نهاية عام 2019م.

وحتى أمس بلغ إجمالي عدد المصابين بكورونا في قطاع غزة 50048 إصابة، منهم 4722 حالة نشطة حاليًّا، و44813 حالة متعافية، وإجمالي الوفيات 513 حالة، وفقًا لإفادة وزارة الصحة.

ولدى تقييمه أداء الجهات الحكومية بغزة في التعامل مع الجائحة يؤكد أستاذ علم الميكروبات أن جهودًا كبيرة وفعّالة قامت بها الجهات المختصة في غزة التي تعاملت مع الأزمة على أعلى مستويات الجدية والحزم، ووعت الجمهور مدى جدية الظروف وخطورتها ووجهت لهم النصائح بالانعزال والابتعاد عن التجمعات، وأوقفت مدة الدراسة في المدارس والجامعات وحولتها إلى الدراسة عن بعد.

وعن علاقة الأمطار ودرجة الحرارة بالفيروس يبين المناعمة أن لهما علاقة لكن ليست متشابهة؛ فقد يساهم المطر في غسل الأجواء والأسطح من الفيروس وبذلك يقلل من فرص الإصابة، أما انخفاض درجة الحرارة فهو عامل جيد للفيروس إذ يبقيه فعالًا في البيئة مدة طويلة.

ولدى سؤاله عن إمكانية قضاء كورونا على فيروس الأنفلونزا يجيب: "لا علاقة بين فيروس الأنفلونزا وفيروس كورونا، لكن لا بد من الإشارة إلى وجود تفاعلات أحيانًا بين فيروسين مختلفين في العائلة نفسها، إما أن يحدثا ضررًا أكبر أو العكس تمامًا أحدهما قد يؤثر في الآخر".

"نهاية كورونا"

"كيف تصل الأوبئة إلى نهايتها، خاصة وباء كورونا؟" يرد: "الأوبئة تتخذ مسارات مختلفة، لكنها نوعًا متشابهة، فهي تنطلق من نقطة ثم تنتشر ويرتفع منحنى الإصابات إلى أن يصل إلى القمة ثم يبدأ في الانحسار بتدخل بشري أو دون (غالبًا التدخل البشري في شكل إجراءات وقائية وعلاجية يقلل من عدد الضحايا)".

ويتابع المناعمة: "بعض الأوبئة تنتهي تمامًا في نقطة من الزمان لتعاود الظهور بعد سنوات، وبعضٌ آخر يبقى موجودًا بأعداد منخفضة، ويمكن أن يسبب أيضًا وباء جديدًا بعد مدة، ربما يساهم اللقاح في الإسراع بإنهاء هذه الجائحة، لكن هذا أيضًا ليس في حكم المؤكد".

ويلفت إلى أن الأوبئة تاريخيًّا كان لها آثار مدمرة على السكان بسبب عدم وجود معرفة علمية وتقنيات طبية تساعد على الشفاء أو الوقاية، فكان الوباء يمر بمسار طبيعي في كل البلدان التي يصل إليها فيقتل من يقتل، ويشفى من يشفى، وينحسر الوباء بعد أن تتشكل مناعة المجتمع (القطيع).

وينبه المناعمة إلى أن عدد السكان في العصور السابقة كان أقل بكثير من الآن، فعدد سكان الكرة الأرضية تزايد كثيرًا بمرور الوقت (7.8 بليون إنسان)، لذلك يصعب المقارنة بين هذا الوباء والأوبئة التاريخية.

ويؤكد أنه ليس الأخطر، ولكنه سريع الانتشار، ولا يوجد احتكاك سابق للبشر بهذا الفيروس، بمعنى عدم وجود مناعة مسبقة، أيضًا لقي هذا الفيروس اهتمامًا عالميًّا نظرًا لتشكل رؤية جديدة بخصوص الأمراض المعدية ويمكن منعها أو التقليل من مخاطرها، والعالم بأسره يمتلك اليوم أدوات وحاول استخدامها، ونجح في كثير من الأحيان في تقليل نسب الانتشار بما لا يغرق النظام الصحي، بحيث يمكن للمرضى تلقي رعاية صحية منقذة للحياة.

ولدى سؤاله عن صحة ما يشاع أن كورونا يُحضر صناعيًّا في المختبرات يجيب المناعمة: "لا يوجد أي مؤشر علمي على أن الفيروس مصنع في المختبرات، والأبحاث المنشورة عن التسلسل الجيني للفيروس تفيد بدرجة تشابه كبيرة بينه وبين سارس وميرس وسلالات معزولة من الخفافيش".

بعضٌ يحذر من خطورة أخذ اللقاحات ضد فيروس كورونا لما لها من مخاطر صحية، قد تؤدي إلى الوفاة، يدحض أستاذ علم الميكروبات هذه المزاعم بقوله: "اللقاحات هي مُنتجات تُعطى عادةً في أثناء الطفولة لحماية الأطفال من أمراض خطيرة، وأحيانًا فتاكة، وتحفز اللقاحات الدفاعات الطبيعية في جسم الإنسان، ما يهيّئه لمكافحة الأمراض على نحو أسرع وأكثر فاعلية".

ويذكر أن اللقاحات تصنع بعدة طرق إذ تتطلب عادةً سنوات من البحث والاختبار قبل الوصول إلى الاستخدام الآمن، ولكن في عام 2020م شرع العلماء في سباق لإنتاج لقاحات آمنة وفعالة لفيروس كورونا في وقت قياسي.

ويفيد المناعمة أن الباحثين حاليًّا يختبرون 64 لقاحًا في تجارب سريرية على البشر، وقد وصل 19 لقاحًا إلى المراحل النهائية من الاختبار، وما لا يقل عن 85 لقاحًا قبل المرحلة السريرية قيد التحقيق النشط.

أظهرت التجارب السريرية أن بعض اللقاحات معدل نجاعته بنسبة 95% في الوقاية من كوفيد-19، وهناك آثار جانبية للّقاح، فاللقاحات ستكون آمنة، والآثار الجانبية التي تسببها مؤقتة إذ تستمر ساعات إلى 3 أيام، ووصفت بـ"الخفيفة والمعتدلة" أي يمكن تحمّلها، قد تشمل: ظهور حمى طفيفة، وصداعًا وتعبًا عامًّا، وفقًا لحديث المناعمة.

"السلالات الجديدة"

ظهرت طفرات وسلالات جديدة من فيروس كورونا في بريطانيا، فهل هي أكثر فتكًا من السلالة الأولى؟ يبين أن فيروسات كورونا يسهل حدوث طفرات فيها، ويمكن من الناحية النظرية للتغييرات في تسلسل الفيروس أن تجعل المناعة السابقة أقل فاعلية (على سبيل المثال، كما يحدث مع فيروس الأنفلونزا)، هذا يحدث فقط إذا كان التغير الحاصل كبيرًا، وليس هناك أي إثباتات في الوقت الحالي على أن الفيروس تغير بدرجة كبيرة.

يوضح أستاذ علم الميكروبات أن مصطلح السلالة الجديدة مناسب عند الحديث عن فيروس "سارس- كوف-2"، المسبب لمرض كوفيد-19، لكونه سلالة من عائلة الفيروسات التاجية الكبيرة، ومنها المتلازمة التنفسية الحادة "سارس" ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس".

وتوضيحًا للفرق بين السلالة الجديدة والمتحورة يبين أن هناك سلالة واحدة من فيروس كورونا وهي "سارس- كوف-2"، وهناك أنواع مختلفة من تلك السلالة التي تعد تحورًا عنها.

ويلفت إلى أنه من غير المحتمل أن يؤدي أي تغيير منفرد للفيروس إلى جعل اللقاح المضاد لكورونا أقل فاعلية، فقد يلزم تغيير التطعيم، إن حدث تطور عدد أكبر من الطفرات.

ويعرف أستاذ علم الميكروبات فيروس كورونا بأنه ينتمي لسلالة واسعة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان، مشيرًا إلى أن عددًا من فيروسات كورونا تسبب للبشر أمراضًا تنفسية تراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس).

ويبين المناعمة أن كورونا المُكتشف أخيرًا والمسبب لمرض كوفيد-19 ينتمي إلى فيروسات الحمض النووي الريبوزي التي يسهل فيها حدوث الطفرات، وهو أيضًا من الفيروسات المغلفة، وتحصل على هذا الغلاف في أثناء التكاثر في خلايا العائل المضيف (الإنسان المصاب)، ويوجد مجموعة من البروتينات في هذا الغلاف تساعد الفيروس على الارتباط بخلايا العائل من طريق التفاعل مع مستقبلات تعرف باسم ((ACE2.

تسمية فيروس كورونا بالجائحة يرجعها إلى أن الوباء يكون فيه انتشار المرض في أماكن محددة، لكن الجائحة يكون فيها الانتشار أوسع، وكلا المصطلحين (الوباء والجائحة) يستخدمان في علوم الأوبئة للتعريف بمدى انتشار المرض.

ويوضح المناعمة أن الفيروس سريع الانتشار نتيجة طريقة الانتقال السهلة عبر الجهاز التنفسي.