العلاقة بين الإعلام والسياسة كانت وما زالت متداخلة، حتى يظن المتابع أنهما وجهان لعملة واحدة، هذه الحال تنطبق على وسائل الإعلام في العالم أجمع، وتزداد الصورة وضوحاً إذا ما اقتربنا من الإعلام العربي والفلسطيني على وجه الخصوص، إذ إن ارتباط الإعلام بالسياسة جاء نتيجة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام بمختلف مسمياتها في التأثير في الرأي العام وتوجيهه والسيطرة عليه أحياناً, وهو بالضبط ما تسعى إليه الأنظمة السياسية الحاكمة في مختلف بقاع الكرة الأرضية, حتى تساوت بذلك الدول الشمولية مع الدول الليبرالية, وهو ما ظهر جلياً عندما خاضت الولايات المتحدة الأمريكية حربها ضد العراق فباتت وسائل إعلامها التي حاول البعض أن يستشهد بها عنوانا للموضوعية والالتزام بالمهنية مثل شبكة سي إن إن الإخبارية, وصحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأكثر شهرة، ومجلة تايم النخبوية كأنها الناطق الرسمي باسم البنتاغون، وليس بعيداً عنا رفض شبكة بي بي سي البريطانية نشر إعلان للتضامن مع أطفال غزة بعد الحرب البربرية التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني على المدنيين في القطاع.
إن تسلط السياسة على الإعلام حقيقة يتفاوت من دولة لأخرى، وتتجلى هذه الحقيقة عندما نتحدث عن الإعلام الفلسطيني الذي تسيطر بل وتملك فيه الأحزاب والحركات السياسية مختلف وسائله، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن هذه السيطرة تتعدى الحد المسموح به.
ويرجع ذلك إلى القدرة المالية التي لا تتاح إلا لهذه الأحزاب التي تمكنها من الإنفاق على وسائل الإعلام من ناحية، والقوانين التي وضعتها الأنظمة المتعاقبة لمنع الغير من امتلاك وسائل إعلام قادرة على الوصول إلى المواطن وحمل همومه والتعبير عن قضاياه المختلفة بعيداً عن التحيز والحزبية العمياء.
من هذا الإشكال والحد من الأثر السلبي للاستحواذ السياسي على وسائل الإعلام الفلسطيني لا بد من الخطوة الأولى بهذا الاتجاه، التي يجب أن تكون في إيجاد علاقة متكافئة وموضوعية بين قطبي العملية الإعلامية: المسئولين عن وضع السياسة الإعلامية والمكلفين بمتابعتها من جهة، ومنفذي هذه السياسة عبر وسائل الإعلام المختلفة من جهة ثانية، بحيث يتاح للإعلام وللإعلامي طرح جميع القضايا والمشكلات بصدق وشفافية دون تمويه للأخطاء ومخالفة القوانين أو التستر على مرتكبي جرائم الفساد والتسيب والهدر غير المبرر حتى لو كانوا ضمن الحزب الذي يمول هذه الوسيلة الإعلامية، وتقديم المادة الإعلامية دون مبالغات ومزايدات مجانية أو مزيفة.
يتبع...