تروج "إسرائيل" وقسم من الإعلام العربي، مجموعة أساطير سلبية ضد المقاومة التي تعمل ضد "إسرائيل"، وهذه الأساطير يجب تفنيدها ضمن طائفة كبيرة من الأساطير.
الأسطورة الأولى: هي أن المقاومة ضد "إسرائيل" جزء من الصراع بين "إسرائيل" وإيران، وهي أذرع إيران ضد "إسرائيل"، ومن ثم ليس للمقاومة وضعية خاصة، وليست تجسيدًا لإرادة الشعوب في مقاومة الاحتلال. هذه الأسطورة فيها بعض المظاهر التي يمكن أن تلتبس على المواطن العربي. صحيح أن حزب الله نشأ بمساعدة إيران، والعلاقة بينه وبين إيران من الناحية الدينية علاقة حميمة، ولكن الصحيح أيضًا أن حزب الله نشأ بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لبيروت يوم أن تخلى العرب عنها، إضافة إلى الفتنة التي أشعلتها "إسرائيل" والعرب للمقاومة الفلسطينية، فنشأ حزب الله بسبب الطائفية وضعف الجيش اللبناني، وكان هدفه في البداية تحرير لبنان، ثم أدرك الحزب أن "إسرائيل" تريد الهيمنة على المنطقة من مداخل مختلفة غير لبنان، ولذلك وضع الحزب استراتيجية إقليمية ضد "إسرائيل"، ولا شك أن ضرب إيران سيؤدي إلى مشاركة حزب الله في الرد على العدوان الصهيوني الأمريكي أو العربي الصهيوني.
أما حماس والمنظمات الفلسطينية العاملة في غزة، فإنها تُدعم من جانب إيران بعد أن تخلى العرب عنها وتصالحوا مع "إسرائيل" وتآمروا على تصفية القضية، وأما ما تقوم به المقاومة ضد "إسرائيل" فهو ينوب عن الأمة في تثبيت هويتها ومناهضة السرطان الصهيوني.
الأسطورة الثانية: هي أن المقاومة ضد "إسرائيل" مقاومة دينية، والصحيح أنها مقاومة سياسية، ولكن تطور الظروف هو الذي أنتج المقاومة الإسلامية بشقيها السُّني والشيعي، ومعلوم أن فتح بدأت المقاومة في ستينيات القرن الماضي، وكانت فتح حركة تحرر وطني تضم كل الأطياف السياسية والدينية تحت مظلمة منظمة التحرير الفلسطينية، أما حماس فقد نشأت عقب انتفاضة الحجارة بعد أن سلم العرب لـ"إسرائيل" تحت ستار السلام في الخطة السعودية التي اعتمدت في قمة الرباط، ومعنى ذلك أن المقاومة أصلًا سياسية، ولكن الظروف هي التي جمعت الجناح السني مع الجناح الشيعي، وما دامت القضية عاجلة وهي مقاومة الإجرام الصهيوني، فإن المقاومة لهذا الإجرام تمتد لتشمل كل الأطياف العالمية وكل الأحرار الذين ينكرون توحش "إسرائيل" في المنطقة، فالمقاومة مشروعة ما دامت "إسرائيل" متوحشة، وأعتقد أن المقاومة سوف تستمر ما دامت "إسرائيل" تريد الهيمنة على كل المنطقة.
الأسطورة الثالثة: هي أن المقاومة تؤتمر من إيران ضد العرب، وأن السعودية تقود العرب بالدفاع عن الهوية العربية للمنطقة ضد الفرس، والصحيح أن السعودية تقود العرب للتطبيع مع "إسرائيل"، وقد حلّت محل مصر وليست هناك مشكلة بينها وبين إيران، المشكلة الأساسية هي بين المشروع الإيراني والمشروع الصهيوني، وكلاهما يتصارع على الهدف نفسه وهو جثة العرب، وبذلك فإن الأموال والجهد اللذين أنفقتهما السعودية في اليمن وسوريا ومع ترامب والابتزاز، كان يمكن أن يقيم عالمًا عربيًّا متماسكًا قويًّا لا مجال فيه للصراع بين المشروعات الإقليمية، فقد سعت السعودية والعراق إلى عزل مصر، ولكن كليهما فشل في قيادة العالم العربي، ولا بد أن يفهموا أن مصر هي البداية والنهاية، وأنها هي الوحيدة القادرة والمؤهلة لاحتضان العالم العربي بصفة جدية، وليس كرتونية كما حدث في العقود السابقة، ولذلك تحرص "إسرائيل" على أن تظل مصر فى خلفية الصورة، وأن يتقدم الجميع عليها تمهيدًا لالتهام الخليج بعد رحيل مصر من الساحة الإقليمية.
الأسطورة الرابعة: هي أن المقاومة لا تجدي في مواجهة القوة الإسرائيلية، وأنها لن تحرر فلسطين ولن تنال من قوة "إسرائيل"، والصحيح أن "إسرائيل" مشروع وهمي نفسي وجد طريقه بعد استسلام العرب، ولا يحد انطلاقه إلا المقاومة على كل المستويات، وعزل هذا السرطان وعدم القبول به مطلقًا في الجسد العربي. وبعد استسلام الجيوش العربية لا تخاف "إسرائيل" إلا من المقاومة بعد أن استأنثت النظم المحيطة بها، بل المطلوب بث روح المقاومة النفسية والثقافية والدينية والعسكرية والمادية ضد هذا السرطان، ومعلوم أن "إسرائيل" لن تفوز بصفقة القرن إلا على جثة المقاومة التي دخلت فى معادلات إقليمية تهدد المشروع الصهيوني، فمعسكر المقاومة هو المقاومة الفلسطينية وحزب الله وسوريا وإيران، لذلك لا تتوقف المؤامرات ضد هذا المعكسر وللأسف ساندت أطراف عربية المشروع الصهيوني ضد المقاومة، بل ووصمت الجامعة ومنظمة التعاون الإسلامي المقاومة بالإرهاب، وبذلك انضموا إلى صف "إسرائيل" بهذا الموضوع، وما دامت هذه المنظمات العربية والإسلامية منتدى لمنظمات مستأنثة، فالعبرة بمقاومة الشعوبِ السرطانَ، وبث هذه الروح في كل المستويات بما فيها القوات المسلحة للدول العربية. وينظر الحكام العرب كيف تنظر "إسرائيل" إليهم باحتكار وعداء ورغبة في الإبادة، ومع ذلك فإن واشنطن بعصاها الغليظة قد أعمتهم عن الحقيقة، ما دامت واشنطن هي المصدر الوحيد لبقائهم فإن "إسرائيل" راضية عنهم.
الأسطورة الخامسة: هي أن السلام مع "إسرائيل" يمنع دعم المقاومة، والصحيح أنه لا يوجد سلام بين "إسرائيل" وغيرها من الدول العربية، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية هي صفقة بين الحكومتين برعاية أمريكية، وهي أول ضربة في جدار تماسك العالم العربي، ومصر هي الخاسر الأكبر في هذه الصفقة، ذلك أن "إسرائيل" لا تحترم المعاهدات، كما تفرض التفسير الذي تريد، وسندها الأساسي هو قوتها العسكرية والقوة الأمريكية، ولكم أن تطلعوا على هذه الصفقة وما أحدثته في إرادة الحاكم، وبالتدليس على الشعب من كوارث، فقد وعد السادات أن هذه الصفقة ستقيم سلامًا في المنطقة كلها وستجلب الخير لمصر بعد أن تعبت في حمل مهمة الدفاع عن فلسطين وحدها، وهذا كله كذب وافتراء. آن الآوان لأن تفتح الشعوب عينها على الحقائق، وألا تظل تسير وراء المواقف الرسمية المشبوهة.
تلك بعض الأساطير المتعلقة بالمقاومة التي تسوقها أجهزة الإعلام الصهيونية والعربية ضد المقاومة، وأتحدى أي نظام عربي أن يفتح مناظرة علنية عن المقاومة، وأن تستمع الشعوب العالمية إلى وجهة نظرنا بدلًا من تكميم الأفواه وضياع البصر والبصيرة قبل أن يلتهمنا الإعصار الصهيوني، وأسخف هذه الأساطير هو انضمام بعض العرب لـ"إسرائيل" في اتهام المقاومة بالإرهاب، وأنها ذراع إيران ضد العرب، لأنهم يتوهمون أن السعودية دولة عظمى وأنها تتصدى لإيران، علمًا بأن الدولة العظمى العربية كان ينعقد لها لواء القيادة إذا تصدت لـ"إسرائيل"، وهذا التحول في إحلال إيران محل "إسرائيل" في العداء هو عين ما تسعى إليه "إسرائيل"، ولذلك سوف نفند في مقالة أخرى هذه الأسطورة الكبرى.