المعروف أن المنخفض الجوي يأتي ضمن ظروف جوية خاصة: انخفاض في درجة الحرارة، وتيارات هوائية باردة تسحب إلى المنطقة السّحب الملبدّة بالأمطار، وصواعق من الرعد والبرق، النتيجة أن ينزل من المعصرات ماء ثجاجًا وأن ترى الودق يخرج من خلال السّحب، وقد ترى الثلج والبرد الذي يغيّر كسوة الأرض فتصبح بيضاء تتجلّى بأبهى صورها الجميلة، ويتحمّل الناس البرد والعواصف ومخاطر المنخفضات الجويّة، وهم مستبشرون بالنتائج العظيمة لها من زيادة منسوب المياه في جوف الأرض ليتيح للناس مياه تجري في بيوتهم على مدار العام وما انبت الأرض من خيراتها بما يجلب لهم وفرة الرزق والثمر .... الخ مصاعب نتحملها لما يأتي بعدها من منافع.
وعندما يطول غياب هذه المنخفضات، تنقبض السماء فترسل دفئها وحميمها بدل مائها ومطرها، يتداعى الناس فيصلون صلاة الاستسقاء ويسألون الله الغيث والمطر، يقلبون ملابسهم علامة البؤس والافتقار وإظهار الفاقة والاضطرار للمولى سبحانه كي يسعف عباده فيرسل عليهم السماء مدرارًا، ويجعل لهم جنات وأنهارًا فيغاث الناس ويعصرون بعد الأيام الشداد التي طال فيها غياب المطر.
ما أحوج الفلسطينيين هذه الأيام لصلاة الاستسقاء السياسي كي تنزل عليهم رحمة الوحدة والتآلف، ويغيثهم الله بمطر المصالحة والعمل السياسي المشترك وغيث البرنامج الوطني المشتبك مع من يسحبون الماء من تحتنا الى حيث يريدون تاركين إيانا في غاية العطش، صلاة استسقاء نسأل الله فيها المنخفض الذي يُفضي الى الخلاص من حالة الجفاف والتصحّر وتشقّق الأرض القاحلة وانقساماتها وتشرذماتها، لقد طال الأمد علينا وتأخرت منخفضاتنا السياسية التي تأتي بالمطر، وصلاة الاستسقاء هذه تحتاج منا إلى أن نقلب ملابسنا، نُظهِر فاقتنا وافتقارنا وتواضعنا ونخفي عنجهيتنا الحزبية وكبرياء الأنا المحاصصية قليلًا، فقط أن نسأل الله المطر، المطر السياسي الصيّب النافع الذي يزجي سحب الخير والعمل الخالص للوطن.
عندما يطول غياب المطر لا بد لنا من صلاة استسقاء من أعماق قلوبنا، فالتوجُّه إلى من يعلم السرّ وأخفى لا ينفع معه الخبث السياسي وإضمار الغش والغدر؛ لأنه سبحانه ربط صلاح الأمر كلّه بإرادة الخير والصلاح "إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما" فبداية الغيث وإنزال المطر تبدأ بإرادة سياسية صالحة صادقة محرَّرة من كل الأجندات سوى أجندة الوطن، عليها أن تتحرّر من أجندات الآخرين وأجنداتنا الحزبية الضيّقة وألا تستهدف سوى مصالح الوطن وما من شأنه أن يتناقض مع المحتل ومشاريعه ومشاريع كلّ من يدور في فلكه، إنه النقيض التام المشتبك اشتباكًا شاملًا مع أهداف هذا الاحتلال الإحلالي بكل تفاصيله الخبيثة. فهذا الاحتلال خبرناه في الحرب والسلم وقد ثبت أنه أشدّ عداوة لنا في سلمه من حربه، وكان ما سُمي سلمًا ما هو الا سُلّم للوصول إلى ما لم يصل إليه في حربه وعدوانه.
وإلى الذين يريدون منخفضًا سياسيًّا يأتي بخيرات المصالحة والوحدة والعمل السياسي المشترك دون رعد وبرق وبرد وصواعق، دون عوائق وتحدّيات ومواجهة للمعوّقين والمبطلين ومن تختلف مرجعياتهم مع مرجعية الوطن، حال هؤلاء كحال من يريد المطر من المنخفض دون أيّ ضرر، يريد مطرًا في الصيف وسلامًا دون برد ومشيًا في الطرقات دون بلل. أو كمن ينتظر منخفضًا دافئًا وصيّبًا نافعًا وثمرًا ناضجًا دون أن يكلّف خاطره بأعباء برد الشتاء!
منخفضنا السياسيّ القادم إذا أردنا خيره فلنستعد جميعًا لما يحمل من أعباء ومشقّات وبعض المناكفات والتجاذبات ولنعدّ ذلك فُرصًا وتحدّيات؛ لأنه ما من مطر وثمر إلا بعد البرد والبلل.
حان الوقت ولم يعد هناك متسع منه لنصلّي صلاة الاستسقاء مبتهلين إلى المولى بأن يخلّصنا من ويلات الانقسام ونكبة صنعناها بأيدينا غير تلك التي صنعها الأعداء فينا.