سبق ودعوت زملائي الكتاب بعدم استخدام مفردة «إسرائيل» بديلًا لكلمة فلسطين، وتأكيد الاهتمام والتركيز على مواصلة استعمال فلسطين الدالة على الجغرافيا والموقع والتاريخ والواقع والمستقبل، ولكن البعض منهم يستهتر بالمطالبة، ويعدّها غير مهمة لا تدل على موقفه المبدئي نحو فلسطين، ولكن أي فلسطين؟ ففلسطين من وجهة نظره مغيبة غير حاضرة، وعليه فالكلمة وهمية لا تدل على واقع ملموس، وهي تعبير عن حُلم أكثر من دلالاتها على واقع حسي ملموس!
والبعض الآخر يُصر على استعمال كلمة «إسرائيل»، لأنها واقع ملموس رغم أنه يرفضها، ولكنها حقيقة واقعة يتعامل معها، رغم رفضه لها، في حين أنه مع فلسطين ولكنها قضية مختزلة تعيش بالإنعاش، أو تواجه الموت السريري، وهي مثل شخص تُحبه، ولكنك تفتقده، أو غير قادر على استعادته إلى الحياة الطبيعية فتتمنى له الشفاء، وإذا قضى نحبه تحزن عليه، لأنك تحبه، وهكذا فلسطين.
بكل الأحوال، من دون أن نحكم على مستقبل فلسطين إيجابيًّا أو سلبيًّا، أي سيستعيدها شعبها لتكون كما كانت وكما يجب أن تكون وطنه الذي لا وطن له، أو تبقى تحت «بسطار» الاحتلال الأجنبي وسطوته، يُواصل العمل على أسرلتها وعبرنتها وتهويدها، عبر محطات متتالية بدأت بمؤتمر بال في نهاية القرن التاسع عشر، والهجرة والاستيطان بدعم الاستعمار والانتداب البريطاني من 1917 ووعد بلفور حتى إعلان المستعمرة يوم 15/5/1948، واحتلال ما تبقى من فلسطين في 5 حزيران 1967، حتى صدور قانون يهودية الدولة يوم 19/7/2018، ويتواصل نحو استكمال المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
لندقق في هذه الواقعة التي حصلت في 18/8/2020، حين أجرى المذيع دنكان ماكيو، مقدم برنامج «التيار» على شبكة سي بي سي الكندية، مقابلة مع الصحفي جوساكو، ذكر حرفيًّا ما يلي: «في كثير من أعمالك، يُعد السياق هو المفتاح –سواء كانت فلسطين أو البوسنة- في هذا الكتاب عندما تسأل سكان الأرض الأصليين عن تاريخهم».
في اليوم التالي صُحِّحت الفقرة في النص المنقح الذي نشرته C.B.C على الإنترنت بما يلي: «في الكثير من عملك، السياق هو المفتاح، في هذا الكتاب الذي نشرته عندما تسأل سكان الأرض الأصليين عن تاريخهم»، وبذلك حُذفت كلمة فلسطين من النص، وأكثر من ذلك أصدر المذيع دنكان ماكيو كلمة اعتذار للمستمعين بقوله: «بالأمس، في مقابلتي مع جوساكو، أشرت إلى الأراضي الفلسطينية، باسم فلسطين، أعتذر».
القضية ما زالت معلقة تحظى بجدل كبير لدى الأوساط الكندية الرسمية والشعبية، ولدى مؤسسات ناشطة لفلسطين، ومؤسسات أخرى متنفذة للمستعمرة، تجد حُجة أن فلسطين ليست موجودة على الخارطة وأن الأمم المتحدة ما زالت لا تعترف بها دولة مستقلة.
بكل الأحوال، هذه واقعة من عشرات الوقائع الحسية الدالة على أن اسم المستعمرة رغم قوتها ونفوذها لم يستقر بعد، وأن فلسطين لم تنتهِ بعد، فهل نقف ضميريًّا ومبدئيًّا مع أنفسنا وتاريخنا وقيمنا وتطلعاتنا، ككتاب وأحزاب ونواب ومثقفين وبشر مع فلسطين، فقط نذكر الكلمة الدالة على المنطقة الجغرافية الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، فقط نذكر فلسطين بدلاً من اسم المستعمرة، فهل هذا مكلف؟ هل هذا ضار؟ هل هذا له ثمن؟ ولو واصلنا التأكيد والتركيز والتوضيح والمطالبة لأن تكون كلمة فلسطين هي فلسطين، ولا بديل عنها حتى تُستعاد وينتصر المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني على أرض فلسطين وهزيمة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي واندحاره.