فلسطين أون لاين

​طلبة يروون لصحيفة "فلسطين" أساليب تعذيب قاسية

"العزل الانفرادي" بسجون السلطة .. وجه آخر لـ"غوانتنامو"

...
السلطة تواصل حملات الاعتقال السياسي بالضفة الغربية (أرشيف)
نابلس / غزة - يحيى اليعقوبي

"ربطوا قدمي بسلك كهربائي وجذبوه إليهم، ثم أخذ واحد منهم عصاً غليظة وبدأ بالضرب على رأسي ورقبتي على مراحل".. كان سردا بسيطا لفصول من آلام التعذيب الجسدي والنفسي التي عايشها الطالب في جامعة النجاح (ع/ ب)، حين أنكر تهم محققي جهاز الأمن الوقائي بارتباطه بالكتلة الإسلامية.

كانت البداية في 15 من نوفمبر/ تشرين ثاني 2016 حين تلقى (ع/ ب) اتصالا من جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية المحتلة يطلب منه الحضور "لاستلام أمانة تخصه"، حسب ما أخبره الضابط، ليبدأ رحلة اعتقال استمرت ثمانية أيام في زنزانة عزل انفرادي، على ذمة المحافظ.

لم يكن هذا هو الاعتقال الأول من قبل "الوقائي"، إذ سبق أن سجنه عام 2015 لنحو شهر، كما لم تخلُ حياته من تجربة الأسر لدى الاحتلال الإسرائيلي.

يقول الشاب الجامعي لصحيفة "فلسطين" قضيت ثلاثة أيام متتالية بآخر اعتقال في زنزانة عزل انفرادي خلت من الأغطية أو البُرش "كنت أنام بعد انتهاء التعذيب على أرضية السجن الرمادية رغم برودة الأجواء في الشتاء البارد".

ويروي أن المحققين قيدوا يدييه بسلسلة حديدية مثبته في سقف غرفة التحقيق، وأبعدوا قدمه اليمنى عن اليسرى، وضربوه أكثر من مرة على عضوه التناسلي، ومع كُلِ ضربة كان أحدهم يردد بضحكات ساخرة "لما بدك تتزوج بدك تصير تحكيلها يا أختي!".

ويضيف أن حجم الإهانة التي تعرض لها لم تكن سوى لإنكار صلته بالكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، وعدم حيازته أي رايات أو ملصقات خاصة بالتنظيم المناهض لسياسات التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة والاحتلال الإسرائيلي الأمنية، ملفتاً بأسف كبير إلى أن تألمه وتواصل الصفعات والضربات لم يشفعا له، حتى أن محققاً آخر بادره وهو ينفث دخان سيجارته بالقول "لا بدي إياك تعرف توقف ولا تعرف تقعد ولا تنام"!!.

الإراحة من شبح بالشبح!

ولا تمثل قصة (ع/ ب) الوجه الوحيد للمشهد الأمني الفلسطيني المتقاطع مع سياسات الاحتلال، فزميله بذات الكلية (س/ ب) فاقه بعدد مرات الاعتقال وأساليب التعذيب، إذ اعتقل نحو 12 مرة لدى الأمن الوقائي منذ بدأ "رحلة المتاعب" بين عامي 2010 و 2017، وتراوحت مدة كل اعتقال بين 15 إلى 20 يوما، بمجموع اعتقالات قرابة العام.

"ماذا أقول!؟.. أعمل تاجرا وطالباً بالجامعة في ذات الوقت ومتزوج وناجح بحياتي" يتساءل باستغراب لدى سؤال صحيفة "فلسطين" له عن سبب الملاحقة الأمنية التي يتعرض لها، متبعاً ذلك بتساؤل آخر يدرك إجابته تماماً "ماذا يضرهم أن أكون ناجحا ولدي خلفية وانتماء سياسي؟".

ويُعدد (س/ ب) أساليب التعذيب التي تعرض لها، بأنها شملت الضرب والشبح والإهانات اللفظية، والضرب بالحذاء على الوجه، فضلاً عن الضرب بقبضة اليد وهي مضمومة أو مفتوحة على وجهه مرات ومرات.

ويشير إلى أنه في بعض الاعتقالات كان يستمر الشبح معلقا بالهواء ليوم كامل "وعندما يريد المحققون إراحتي قليلا كنت أظل مشبوحاً مسنداً إلى الحائط!".

ويذكُر أنه في إحدى المرات، ربط المحققون قدميه ويديه بكرسي وعقدوا حبلا دائريا عليه أصبت على إثر ذلك بتمزق عضلي لا يزال يرافقني في حياتي وأشعر بألم عند بذل أي مجهود.

فاجعة وجدانية

أما الحال مع خريج أدب اللغة الإنجليزية من جامعة النجاح أنور حسن فتبدو التفاصيل التي عايشها أكثر ألماً في بعدها النفسي لاسيما تاريخ ذاك الاعتقال في 15 يونيو/ حزيران 2013 الذي آل إلى اقتطاع جزء من ارتباطه الوجداني.

ويشير إلى أنه اعتقل سبع مرات لدى جهازي المخابرات والوقائي بين عامي 2008 و 2015 وكانت التهمة الحاضرة انتماءه السياسي وصلته بشقيقه الأسير المحرر والمُبعد إلى قطاع غزة، موضحاً أن مجموع اعتقالاته بلغت نحو عامين ونصف العام.

ويقول حسن، في 14 يونيو/ حزيران 2013 داهمت قوات الاحتلال المنزل لاعتقالي لكنني لم أكن متواجدا (...) وفي اليوم التالي حينما كانت تشير عقارب الساعة إلى السادسة صباحا استيقظت العائلة على أصوات شجاره مع عناصر جهازي المخابرات والأمن الوقائي الذين أطلقوا النار في الهواء، منوهاً إلى أن الخلاف بين الجهازين كان "من له الحق في أن يعتقلني".

في حينها أصر والدي على مرافقتي مع الدورية التي اعتقلته، وخلال المسير ونتيجة تبادل الكلام مع أفراد الوقائي تدهورت حالته الصحية، يقول أنور، مكملاً حديثه "وصلنا إلى مقر الجهاز القريب من منزلنا، وأدخلت إلى غرفة التحقيق لكنني سمعت صوتا لوالدي لم اعرف وقتها ماهية ما حدث، وما أن مرت عشر دقائق حتى تفاجأت بإغلاق مقر الوقائي على من فيه لأن المستوطنين دخلوا نابلس (..) وعادة ما تفعل الأجهزة الأمنية ذلك حتى يغادر المستوطنون المحافظة".

لم تكن تلك النهاية، حيث أتاه أحد الضباط مخبراً أن حالة والده الصحية جيدة، ثم جاءه عشرة ملثمين وأعطوه هويته الشخصية وأمروه بمغادرة المقر بداعي أن والده أنهى له مشكلته، ليفجع على عتبات باب "الوقائي" بوفاة والده نتيجة أزمة قلبية انتابته حزناً عليه "إذ سبق أن سجنت وتعرضت لتعذيب وحشي"، كما يقول.

إخفاء للانتهاكات

وأمام ذلك، يوضح رئيس دائرة التوثيق بمؤسسة الحق لحقوق الإنسان تحسين عليان، أنهم تلقوا العديد من الشكاوى في الآونة الأخيرة من طلبة الجامعات بالضفة الغربية المحتلة، تفيد بتعرضهم لمعاملة وتعذيب قاسيين في سجون السلطة الأمنية.

ويوضح عليان لصحيفة "فلسطين"، أن الجهات المختصة التي راسلوها نفت ادعاءات الطلبة، وحصرتها ببعض الحالات.

وحذر من أنه في حال واصلت السلطة إخفاء انتهاكاتها لحقوق الإنسان، في التقرير السنوي الذي ترسله إلى لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة لتبين مدى التزامها بالاتفاقية من عدمه، فإن مؤسسة الحق "سترسل تقريرا آخر مرتبطا بالتقرير الرسمي يبين وقوع عمليات تعذيب في سجون السلطة".

وكشف عليان بأن مؤسسته تحضر ملفاً كاملاً لمراسلة الجهات المختصة بهذا الشأن، وستقدم كل ما لديها من أدلة تؤكد وقع سوء المعاملة في سجون أجهزة أمن السلطة، قد تصل للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق محلية مستقلة.

وبين أن الأدلة تتضمن إفادات من أشخاص تعرضوا لعمليات اعتقال وتعذيب متكررة، وملفات مصورة تظهر آثار التعذيب، لإثبات وقوع جريمة ومخالفات حقوقية.

ولفت عليان، إلى أن معظم الاعتقالات تتم دون الإجراءات القانونية الضرورية، بعدم وجود مذكرة احتجاز صادرة عن النيابة العامة أو أي محكمة، معتبرا أن الاعتقال على ذمة المحافظ أو ذمة اللجنة الأمنية المشتركة لأجهزة السلطة انتهاك للحريات بالضفة الغربية المحتلة.