فلسطين أون لاين

خرجت به بلوحة قصصية تجذب قلوب القراء

غادة.. في "مدينة البكاء" تجمع مرارة الواقع وفوضى الخيال

...
غزة/ هدى الدلو:

"مدينة البكاء" هو أول إصدار للشابة الغزية غادة القصاص، وأول عمل أدبي لها، فحمل قلبها له الكثير من المشاعر التي حاولت وصفها بأنها الشعور ذاته للأم عند إنجابها طفلها الأول.

"هو شعور الفرح لحلم قد تحقق، ولهدف كنتُ أسعى للوصول إليه، يمتزج هذا الشعور بشعور الخوف، خوفي من أنني قد تعجلت في إصدار أول عمل لي وأنا في بداية العشرينات من العمر، لأن نجاح الكتاب الأول هو الذي يحفز الكاتب على إنجاز المزيد".

تُعرف غادة في حديث مع صحيفة "فلسطين" نفسها بأنها امرأة طموحة، خريجة لغة عربية فرع الصحافة من الجامعة الإسلامية، تبلغ من العمر 23 عامًا.

بداياتها كانت بشغفها بالقراءة وحبها العميق لها، فاكتشفت موهبتها في الكتابة منذ أن كانت في المرحلة الابتدائية، إذ ترعرعتُ ونشأت بين أروقة الكتب والصحف والمجلات التي كانت حاضرة في بيتها دومًا.

"شجعتني معلمة اللغة العربية في المرحلة الإعدادية، وشاركت في مسابقة لكتابة القصة القصيرة وفزتُ يومها بالمركز الثاني، ومن بعدها زاد اهتمامي أكثر وبدأت أضع هدفًا أمام عيني أن أصبح يومًا ما كاتبة عظيمة".

وتتحدث عن مراحل نمو هذه الموهبة قائلة: "بدأت من شخصيتي القوية وموهبتي في كتابة وإلقاء الشعر أمام الجميع على منصات الإذاعات المدرسية، وأنشطة المكتبة المتعددة، فكنت دومًا من أصدقاء المكتبة ومن الطلبة الفاعلين والحاضرين في كل المجلات التي تتعلق بالقراءة والكتابة".

وعندما أصبحت فتاة جامعية انضمت إلى النادي الأدبي في الجامعة الإسلامية وتدربت على أيدي أساتذة قامة في العلم والمعرفة، كانت أيضًا عضوًا فعالًا في الكثير من المجموعات والأندية الثقافية، مثل: شغف والصالون الأدبي في جمعية الثقافة والفكر الحر.

وعملت على تطوير موهبتها بالقراءة، تقول غادة: "فالقارئ الجيد هو كاتب جيد، ولأن القراءة والكتابة وجهان لعملة واحدة، أنا أشعر بالامتنان العظيم للكتب لأنها أطلعتني على أفق جديدة ومعانٍ عميقة، وسافرتُ عبرها إلى عوالم أخرى لم أزرها من قبل، وتعرفتُ إلى أساليب الكتابة وأنواعها، أيضًا استفدت من احتكاكي بالمجتمع والبحث عن مواطن الوجع والكتابة عنها".

وتوضح أن طبيعة نتاجاتها الأدبية هي بالغالبية قصص قصيرة، لكونها تتعامل اليوم في عصر القارئ المتعجل، الذي يريد أن يصل للفكرة بمحتوى بسيط وسلس، ولكون القصص القصيرة هي الأكثر قدرة على ملامسة قلوب القُراء والتأثير فيهم.

وتشير غادة إلى أن موهبتها أثرت في شخصيتها كثيرًا، إذ أصبحت شخصية هادئة صاحبة إحساس عميق تجاه القضايا المجتمعية.

وتتابع: "نشأتي بين الكتب والأقلام جعلتني أكثر صمتًا وعزلة، قليلة الاحتكاك بالأشخاص من حولي، وأكثر انتباهًا لهموم الناس، فأصبح كل همي متابعة أخبار الناس للكتابة عنهم بطريقة أدبية أكثر جذبًا ومتعة".

وفي بداية موهبة القصاص كانت أكثر حماسًا للمشاركة في المسابقات، إذ شاركت مع وزارة التربية والتعليم في أكثر من مسابقة في كتابة القصص القصيرة، وفازت بأفضل القصص التي تحدثت عن معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة كقصة "أبي مشلول وأنا كبرت"، وأيضًا شاركت في مسابقة أفضل نص شعري في يوم المرأة وحازت المرتبة الأولى، لكن في هذه المرحلة توقفت عن المشاركة في المسابقات، لأنها اقتنعت بأن الفوز الحقيقي هو "الفوز بقلوب القُراء وكسب مشاعرهم وودهم، وليس الفوز لمجرد لقب تضعه شروط وقوانين خاصة".

وهي تصور الكتابة أنها روحها المرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا: "فأنا لا أكتب لمجرد الكتابة فقط، وإنما لإشباع غريزة ولدت معي منذ الصغر، هي العالم الذي أجد فيه فسحة للتعبير عن أفكاري المتزاحمة، التي لا يمكنني أن أبوح بها إلا للقلم والورقة".

عندما تلجأ إلى الكتابة تفضل غادة ساعات الهدوء آخر الليل، تجمع بها أحداث الواقع مع سرد خيالي: "فالليل هو رفيق الكُتاب الأبدي".

وتفضل الكتابة عن جرح الوطن، عن مدينة غزة، وهموم الناس، وأحزانهم وأفراحهم: "أُحب أن أضع قُرائي أمام مخاوفهم التي لا يستطيعون الإفصاح عنها، أُحب أن أجمع بين مرارة الواقع وفوضى الخيال لأخرج بلوحة قصصية متكاملة تجذب قلوب القُراء وعقولهم وتلامس إحساسهم الداخلي".

أصعب مراحل الكتابة

وتبين أن إصدارها الأول مدينة البُكاء هو مجموعة قصصية تحتوي على مجموعة من القصص القصيرة والخواطر، التي كتبتها لتعبر عن جرح المدينة وتشهد على بكاء الملايين، كتبتها تحت تأثير عدد من المواقف التي تتكرر مشاهِدها في حياتهم كل يوم، قسمت الكتاب إلى فصلين، واعتمدت اللغة السلسة والخروج عن المعتاد في قوانين الكتابة حتى يلامس روح العصر الحديث، ويبلغ عدد صفحاته ما يقارب مئة صفحة ونيفًا.

وتلفت إلى أن هذا الكتاب هو نتاج عامي 2018م و2019م، كتبت القصص والنصوص الأدبية الواردة فيه على مراحل متقطعة، اختارت المناسبة منها لتخرج هذه المجموعة الأولى التي تفتخر بها لكونها التجربة الأولى لها.

وتصف فكرة الكتاب بـ"الإبداعية"، قائلة: "لم أستطع أن أجعل تلك القصص حبيسة الورق، أردتُ لها أن تخرج للنور بعد تشجيع من جمهوري من القُراء، فأصبح اسم مدينة البكاء يتردد في الأفق في الوقت الحالي".

وترى غادة أن أصعب مراحل الكتابة هي مرحلة اختيار العنوان، عنوان قصة، أو نص، أو كتاب، ورست السفينة على اسم مدينة البكاء ليتلاءم مع مضمون القصص ومحتواها العام.

وتطمح إلى الاستمرار في تطوير موهبتها، وأن تصبح كاتبة لها حضورها وتأثيرها في المجتمع، وتتعمق في مجال الأدب المقارن، فهي تسعى جاهدة إلى دراسة الماجستير في ذلك المجال، لإحداث نقلة نوعية على صعيد دراستها الأكاديمية وموهبتها الأدبية.