بعد رسالة حركة حماس للرئيس محمود عباس، التي تضمنت الموافقة على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، بعد أن قدمت أربع دول وازنة ضمانات بإجراء الانتخابات بالتتالي والترابط في ستة أشهر (مصر – قطر – تركيا – روسيا).
وفقًا لما سبق، أطرح تساؤلات أهمها: هل البيئة السياسية المحلية والإقليمية والدولية داعمة لإجراء الانتخابات؟ ومن هم الرابحون والخاسرون من العملية الانتخابية؟ وهل ستنعكس الانتخابات إيجابيًّا على مستقبلنا نحن الفلسطينيين، وعلى مشروعنا الوطني التحرري؟
أولًا: تحليل البيئة السياسية.
بايدن لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في 20/1/2021م، وهو ما يعني تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، لا سيما تجاه إيران، ولهذا التغيير متطلباته، ليس أقلها تجديد شرعية المؤسسات السياسية الفلسطينية، ومصالحة خليجية تجلت في أبهى صورها في قمة العلا بالمملكة العربية السعودية، وانتخابات إسرائيلية مبكرة في مارس المقبل، وضغط دولي على السلطة الفلسطينية، لا سيما من الاتحاد الأوروبي –أكبر مموليها– بعد حل الرئيس عباس المجلس التشريعي، وشغور السلطة التشريعية منذ ديسمبر/ 2018م وحتى اليوم، وفجوة بين القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني تتسع رويدًا رويدًا بسبب حالة التيه السياسي والانقسام وما ترتب عليه من واقع اجتماعي كارثي في الأراضي الفلسطينية، كل ما سبق وغيره يشكل بيئة داعمة لإجراء الانتخابات، مع وجود بعض التحديات وعلى رأسها رغبة الاحتلال الصهيوني ببقاء حالة الانقسام، ودور جماعات المصالح الفلسطينية في تعطيل العملية الانتخابية لإدراكهم بأن أي انتخابات سيكون لها أثر سلبي على مصالحهم الخاصة.
ثانيًا: الرابحون والخاسرون من الانتخابات الفلسطينية.
فلسطين هي الرابح الأكبر من العملية الانتخابية، ولكن عند النظر في الصالح الحزبي الخاص، فإن الانتخابات تفرز رابحين وخاسرين، وفي هذا المقال وضمن معادلة الربح والخسارة، سأضع أربعة مكونات مجتمعية، واستشراف حسابات الربح والخسارة لكل منهم.
حسابات الربح والخسارة لدى حركة حماس:
حركة حماس هي الرابح الأكبر؛ نتيجة مشاركتها بالانتخابات بغض النظر عن النسبة التي ستحصل عليها، ففي حال جرت انتخابات مجلس وطني ستكون نسبتها أفضل بكثير مما هي عليه الآن، ولو جرت انتخابات رئاسية تستطيع حماس أن تحدد هوية الرئيس القادم لو أجادت اللعبة الانتخابية عبر عدم ترشيح أحد قادتها لهذا المنصب، والاكتفاء بعملية توافق وطني يضم حماس وجزءًا مهمًّا من اليسار والتيار الإصلاحي لدعم مرشح مستقل مقبول محليًّا ودوليًّا، ففرص هذا المرشح ستكون كبيرة، وسيكون لحماس مكانة في مؤسسة الرئاسة التي يهيمن عليها الرئيس عباس. ولو ذهبت لخيار الرئيس التوافقي وتوافقت على هوية الرئيس عباس فذلك سيكون مقابل مكانة كبيرة لها في منظمة التحرير وباقي مكونات النظام السياسي. ولو جرت انتخابات مجلس تشريعي فإن حركة حماس ستجدد شرعية نوابها، وستكون ممثلة بغض النظر عن أن النسبة لن تكون كما كانت عام 2006م، ولكن لو أجادت حماس اختيار قوائمها فإن فرص تشكيل تحالفات انتخابية ستكون ممكنة تحت قبة البرلمان.
حسابات الربح والخسارة لدى حركة فتح:
حركة فتح تذهب للانتخابات ضمن منطلقين: الأول: اضطراري، لأن تجديد شرعية مؤسسات السلطة الفلسطينية هو مطلب داخلي وخارجي، وتستغل (إسرائيل) ضعف الشرعيات السياسية لمؤسسات السلطة في المحافل الدولية كثيرًا، وعليه فإن إجراء الانتخابات أصبح ضرورة سياسية واقتصادية وقانونية.
الثاني: المنطلق الوطني، وهو ناتج عن استشعار الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، وهذا المنطلق الوطني تتقاطع وتتوافق كل القوى الوطنية والإسلامية عنده.
وضمن المنظور الحزبي الضيق، فحركة فتح هي الخاسر الأكبر من أي عملية انتخابية، فهي من يهمين هيمنة مطلقة على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى مؤسسة الرئاسة، وحتى المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه حركة حماس، فقد نجح الرئيس عبر المحكمة الدستورية التي شكلها تشكيلًا غير قانوني بحله، وأي انتخابات فإن نتائجها قد تفقد فتح الكثير من المكتسبات التي تمتلكها الآن.
حسابات الربح والخسارة لدى التيار الإصلاح الديمقراطي (تيار دحلان).
الانتخابات فرصة لتيار الإصلاح الديمقراطي لا تتكرر كثيرًا، حيث سيستفيد التيار من الانتخابات كورقة مساومة للضغط على حركة فتح للتراجع عن قرارات فصل النائب محمد دحلان ورفاقه، وفي كلتا الحالتين سيخرج التيار رابحًا، فإن تمت الموافقة على العودة والمشاركة بقائمة واحدة، فهذا ما يتمناه التيار ويعمل عليه منذ زمن، وفي حال أصر الرئيس عباس على الفصل، فهذا سيدفع التيار إلى خوض الانتخابات منفردًا بقائمة وطنية -حسب معلومات خاصة وصلتني- تجمع بينها الليبرالي والإسلامي والوطني وكل المكون المجتمعي، بما يمنحها فرصة لمنافسة الفصيلين الكبيرين فتح وحماس، لا سيما أن التيار يمتلك موارد مالية تخدمه في بناء برنامج اجتماعي واقتصادي سيلقى قبولًا لدى شريحة واسعة من الفقراء والشباب.
حسابات الربح والخسارة لدى قوى اليسار الفلسطيني.
اليسار سيكون أمام تحدٍّ وجودي، فإما ينجح في لملمة أوراقه ويوحد جهوده في قائمة واحدة، وإما ستندثر بعض مكوناته في الانتخابات المقبلة.
حسابات الربح والخسارة لدى قوائم المستقلين.
الحالة الفلسطينية هل هي حالة تجاذب فصائلي؟ وعليه تضعف مكانة المستقلين، وفي تقديري أن المستقلين سيكون أمامهم ثلاثة تحديات:
القدرة على تشكيل قائمة تمثلهم.
الموارد المالية اللازمة للعملية الانتخابية.
قدرتهم على التأثير واستقطاب مجتمع حزبي ومؤطر في أغلبه.
ثالثًا: انعكاسات العملية الانتخابية.
لا شك أن الانتخابات الفلسطينية سيكون لها أثر إيجابي كبير على شكل النظام السياسي الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، وسيمنح المؤسسات السياسية المنتخبة مكانة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وستعيد الاعتبار للمشروع الوطني، وستمنح الأطراف الدولية التي تناصر قضيتنا قوة للدفاع عن عدالة قضيتنا، وجلب الدعم السياسي والمالي والقانوني لها.
هذا من الجانب الإيجابي، أما الأثر السلبي فهو متوقف على المشهد الداخلي الفلسطيني من حيث:
إدارة العملية الانتخابية في ظل الانقسام، وكذلك التعاطي المحلي والدولي مع النتائج.
اختلاف الرؤى السياسية بين الفصائل.