يرى المحلل الإسرائيلي (أنشيل بيفر) أن الربيع العربي شطب القضية الفلسطينية دوليًّا وإقليميًّا، وفتح أبواب التطبيع العلني بين الدول العربية (وإسرائيل)، هو يريد أن يقول إن الربيع العربي قبل عشرة أعوام جاء بربح وفير لدولة (إسرائيل).
وتحليل هذه النتائج في نظره أن الحكام المستبدين في البلاد العربية لم يعودوا يخشون ردود أفعال الشعوب على الاعتراف بـ(إسرائيل) وتطبيع العلاقات معها، وأن حكام هذه الدول قرروا أخذ المحتجين بالقوة والعنف، كما حدث في أكثر من دولة.
إذًا (إسرائيل) ترى في انهيار ثورات الديمقراطية العربية مكاسب كبيرة لدولة (إسرائيل)، وترى في التطبيع العربي ربحًا خالصًا لها، وشطبًا لمطالب الفلسطينيين ودعواتهم، وأن العالم العربي لم يعد يفكر في الحرب مع (إسرائيل)، ولا يفكر في تدمير (إسرائيل)، وشطب وجودها.
ويرى (أنشيل بيفر) أن من أكبر مكاسب (إسرائيل) كان تفكيك الجيش السوري وتدمير قوته العسكرية وأسلحة الدمار الشامل، وتعميق التعاون العسكري والأمني مع مصر.
ما ذكره (أنشيل) من أرباح صحيحة، ولكنها ليست أرباحًا يمكن نسبتها إلى ثورات الربيع العربي، بل هي أرباح خالصة نتيجة أعمال تراكمية لقادة الاحتلال، من ناحية، ونتيجة للديكتاتورية العربية من ناحية ثانية، بدليل أن (تل أبيب) كانت أكثر دول العالم قلقًا من نجاح الثورة في مصر، وكانت تشعر بقلق من وجود الإخوان المسلمين في الحكم.
دولة (إسرائيل) الخائفة والقلقة تعاونت مع الديكتاتورية العربية في عملية إجهاض للثورات العربية المسكونة بالتغيير والديمقراطية ومعاداة (إسرائيل)، وقد جندت (إسرائيل) قيادات أمريكية وغربية لتعاونها في مهمة إفشال حركة التغيير في الدول العربية، ثم عجلت إلى دعم أنظمة ديكتاتورية بمعلومات استخبارية عن المعارضين.
ثورات ما يسمى الربيع العربي فشلت بعوامل ذاتية، وعوامل خارجية، والتفاصيل معلومة، ولكن مطالب الشعوب بالديمقراطية، والحكم الرشيد لم تفشل ولم تتراجع، بل إن قوى الحرية تعلمت من الفشل دروسًا ذات مغزى، سنجد لها تجسيدًا في الثورات القادمة، لا سيما إذا تراجعت الهيمنة الأمريكية، هذا من ناحية، وإذا تمكن الفلسطينيون من استبقاء قضيتهم حية على أعلى سلم اهتمامات الدول العربية، من ناحية أخرى.