فلسطين أون لاين

تنازُلٌ يطلب العنبَ ولا يقاتل الناطور

حماس تبلغ عباس موافقتها على انتخابات متتالية للمؤسسات الآتية: مجلس تشريعي، ورئيس السلطة، والمجلس الوطني، فهل ثمة تغيّر درماتيكي غير مفهوم في موقف حماس هذا؟ أم أن الأمر مرتبِط بتغيرات طبيعية؟

كلنا يعلم أن حماس والفصائل تطالِب بانتخابات متوازية للمؤسسات الثلاث، وفتح تطلُب انتخابات متتالية، تبدأ بالتشريعي، ثم الرئاسة ثم المجلس الوطني، وهذه واحدة من اختلافات رئيسة بين الطرفين منعت إنجاز المصالحة بحسب لقاءات إسطنبول، وبرسالة حماس الأخيرة لعباس تنازلت حماس عن مطلبها بالتوازي من أجل تحقيق اختراق في جدار الصمت والرفض لتحقيق مصالح الوطن، فهل أصابت حماس أم لا؟ وهل تقبل عباس التنازل برحابة صدر ويُصدِر مرسوم الانتخابات، أم لا؟ هل نحن على أبواب انتخابات قريبة، أم مازالت هناك مسافة غير منظورة بين ما هو مُعلَن وما هو غير مُعلَن؟!

لقد قرأتُ رسالة رئيس حركة حماس لعباس -بعد أن نشرتها وسائل الإعلام- فلم أجد تغيُّرًا درماتيكيًّا، ووجدتُ فيها أن حماس استجابت في تنازلها عن شرط التوازي لمطالب كل من مصر وقطر، هذا من ناحية، وقَبِلتْ بديلًا عن شرط التوازي ضمانات مصرية وقطرية وتركية وروسية لإجراء الانتخابات في المؤسسات الثلاث في غضون ستة أشهر، وأن يتضمن المرسوم تواريخ محدَّدة لإجراء هذه الانتخابات في مدة الأشهر الستة، وهذا تغير طبيعي سياسي.

إن احترام حماس مطالبَ مصر وقطر لا عيب فيه، بل هو موقف ينبع من حسن تقديرٍ لتطوير العلاقة مع مصر وقطر، إذ لا تستغني حماس عن دَوْرَي قطر ومصر، لا سيما وهي ترى الدول العربية تهرول نحو التطبيع بلا مقابل.

وجيدٌ أن تحتاط حماس لنفسها وتُسيِّج هذا الاحترام بضمانات إجراء الانتخابات للمؤسسات الثلاث في غضون مدة زمنية محددة في المرسوم الرئاسي، ومن ثم يمكن الحصول على العنب دون مقاتلة الناطور.

ومع ذلك، وفي ضوء اجتماع عباس مع رئيس لجنة الانتخابات، أقول: إنه ما زالت المسافة بين التقاربات السياسية والإجراء العملية بعيدة بقدر يمكن أن يحتمل أكثر من قراءة، بين أن تحصل قريبًا، وأن تؤجَّل لتواريخ لاحقة، لسببين على الأقل: الأول أن مسألة التوازي والتوالي ليست كل شيء في معوقات المصالحة. والثاني أن هناك جدولًا منافِسًا للمصالحة والانتخابات، يبدأ برغبة عباس في العودة إلى المفاوضات رغم لاءات نتنياهو وتعنتاته، ولا ينتهي بخطب ودّ بايدن وطلب رعايته للمفاوضات دون شروط فلسطينية، على أمل تجديد المساعدات الأميركية للسلطة، وعلى أمل إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن. ومن ثم ذكر عباس زكي في تصريحه الأخير: إن المرسوم الرئاسي للانتخابات سيصدر قريبًا رغم رفض أميركا وإسرائيل ودول التطبيع العربي، وفي هذا إشارة مقصودة لمعوقات خارجية، كلنا يعرف ما تعنيه.