مضى عام 2020م كئيبا ثقيلا قاسياً، وكان حظ الشعب الفلسطيني وافراً في اجترار مرارة العام المنصرم، حيث تكالبت على شعبنا الفلسطيني إلى جانب فيروس كوفيد 19 بعض القوى الباغية التي هدفت إلى سلب الحلم الفلسطيني من أعين الفلسطينيين، وعملت على إجهاض ديمومة كفاحه الوطني، ومع أفول العام الماضي أفَلت شمس إدارة ترامب المتطرفة ولاح في سماء فلسطين شفق التطبيع العربي وكأنه رغبة متوحشة في قضم ما يمكن قضمه من حقنا الوطني مقابل بعض من الوعود أو المنح الأمريكية، وكأنه مشهد مروع في برية بدائية يشارك فيها الذئب بعض القوارض النتنة في محاولة الإجهاز على فريسته البريئة التي تقاوم الموت.
وكما تعودنا في كل عام احتفل العالم ببدء العام الجديد واختلفت هذه الاحتفالات من شعب لآخر، وأحيانا أخذت هذه الاحتفالات طابعاً مبالغاً فيه، حتى ليظن المرء أن البعض قد عقد صفقة مع العام الجديد ليكون العام الذي تتحقق فيه الأماني وتدرك فيه الطموحات وتستوفى فيه الحقوق، رغم أن كل ذلك في عالم الغيب الذي لا يدركه أحد من البشر، ولكن ربما تُعَبِر هذه الاحتفالات عن حالة نفسية تأمل في أن يكون القادم خيرا، ولذلك تحاول بعض الشعوب ان تعيش هذا الشعور ولو من باب (تفاءلوا بالخير تجدوه). على كل الأحوال فالشعب الفلسطيني ليس بعيداً عن هذه الأجواء التي تعم العالم في الساعات الأخيرة، فالشعب الفلسطيني له طقوس خاصة في هذا اليوم اذ تعودنا خلال السنوات الماضية وعلى وجه التحديد منذ قدوم السلطة الفلسطينية الى (أرض الوطن) أن توقد حركة فتح ومن يمثلها في السلطة الفلسطينية من الشخصيات الرسمية وبمشاركة بعض الفصائل شعلة (انطلاق الثورة الفلسطينية) وذلك إيذانا ببدء احتفالات احياء الذكرى، وستجد كثيرا من المواطنين يحتفلون بالعام الجديد بإيقاد الشعلة أو تقليد ما يحدث في العالم، وربما هو فرح بأن كتبت لهم النجاة العام الماضي دونما ضر مسهم خلاله، أو الأمل في أن يجلب العام الجديد ما يطمح له ويتمناه المواطنون المحتفلون، وكما أن هناك آمالا وطموحات خاصة بكل فرد من المواطنين فهناك طموحات وآمال عامة يجتمع عليها المواطنون في كل دولة من دول العالم، وهذه الطموحات والآمال تدركها جيداً أي شخصية تعتلي سدة القيادة لاي شعب، وينحصر دور هذه القيادة بالعادة في العمل الجاد والحثيث نحو تحقيق هذه الطموحات الوطنية، وهذا هو سبب وجودها في سدة القيادة، وكما هو حال أي شعب على وجه الأرض كذلك الشعب الفلسطيني له طموحات وآمال وطنية مطلوب من القيادة أن تعمل على تحقيقها واقعا في حياة الشعب الفلسطيني خلال العام الجديد، بل إن الظروف التي يمر بها الشعب الفلسطيني وما مر به خلال أعوامه الماضية والعام المنصرم على وجه الخصوص، تجعل من الضرورة بمن يعتلي سدة قيادة الشعب الفلسطيني أن يبذل أضعاف ما يمكن أن تبذله أي قيادة على وجه الأرض استشعارا بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه، وبالضرورة أن تكون القيادة الفلسطينية مدركة تماماً لطموحات شعبنا آماله ومؤمنة بهذه الطموحات والآمال، صحيح أنه ليس بمقدور أي قيادة أن تلبي كل الطموحات والتطلعات التي يصبو إليها الناس، فإرضاء كل الناس غاية لا تدرك ،ولكن ليس أقل من أن تحقق القيادة الفلسطينية ما يمكن لها وفق إمكاناتها.
الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني في عام 2021م كثيرة، ولكن لن يختلف اثنان على أن الرغبة الأولى التي يجتمع حولها الفلسطينيون في الحالة الراهنة هي تحقيق الوحدة الفلسطينية، ولا أظن أن أحدا يختلف على أن تحقيق هذا الهدف هو بيد القيادة الفلسطينية وحدها، وتستطيع أن تحققه لو توافرت لها الإرادة الوطنية، وإن تقصيرها في هذا الجانب يجعل منها قيادة تعمل ضد رغبة وطموح شعبها عن قصد، وهذا أمر لا بد أن يكون مدركا عند كل المواطنين، وهي (أي القيادة الفلسطينية) إما أنها تعيش حالة انفصال عن الشعب وتفكر خارج السياق الوطني، وإما أنها قيادة بلغت من العجز ما يجعلها غير قادرة على تحقيق أبسط طموحات الشعب الفلسطيني. فرغم أن شعبنا طموحه الأساسي هو التحرير وهذا الهدف يجب أن يكون غاية القيادة وسبب وجودها، صحيح أنه من الإعجاز مطالبة القيادة بتحقيق التحرير خلال العام 2021م، فهذا هدف سامٍ مطلوب من القيادة أن تعمل وتسخر له كل الإمكانات المادية واللوجستية والسياسية لتحقيقه على المدى لا أقول البعيد ولكن المنظور، حتى لا يصبح تحقيق التحرير مجرد أمل بعيد المنال تتراخى القيادات في تحقيقه ولا تعمل من أجله إلا بمقدار ما يحافظ على بقائه مجرد أمل في حياة الشعب الفلسطيني، ولذلك مطلوب من القيادة الفلسطينية أن تحقق الوحدة الفلسطينية كمطلب وطني جماهيري خلال 2021م وهو هدف حتما سيقربنا أكثر من تحقيق الغاية الأسمى وهي التحرير، وحيث إن المواطنين سئموا من كثرة الوعود والاتفاقيات، فلا بد من تحرك جماهيري يجعل من عام 2021م عام إنهاء الانقسام، ولتسخر الطاقات الوطنية وتتحد النخب والنقابات وتجتمع كل الشرائح الفلسطينية من أجل الضغط المستمر على القيادة الفلسطينية لتحقيق هذا المطلب الوطني، وليكن شعار عام 2021 إما الوحدة الوطنية وإما الرحيل.