مع نهاية عام 2020 ما زال اقتصاد قطاع غزة يعاني سياسة الحصار التي يفرضها الاحتلال للعام الرابع عشر على التوالي، هذا إضافة إلى الحروب والهجمات العسكرية المتكررة التي عمقت من الأزمة الاقتصادية نتيجة للدمار الهائل الذي خلفته في البنية التحتية وكل القطاعات الاقتصادية.
كما أن التأخر في عملية إعادة الإعمار خصوصًا في القطاع الاقتصادي وعدم تعويض الشركات المتضررة أدى إلى آثار خطيرة على الأوضاع الاقتصادية، وحذرت العديد من المؤسسات الدولية من عواقب إبقاء الحصار المفروض على القطاع وتأخر عملية إعادة الإعمار على كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية، إذ ذكر تقرير صادر من الأمم المتحدة بتاريخ 27/8/2012 أن قطاع غزة لن يكون "ملائمًا للعيش" بحلول عام 2020 ما لم تتخذ إجراءات عاجلة لتحسين إمدادات المياه والكهرباء وخدمات الصحة والتعليم.
وتأثرًا بجائحة كورونا وانعكاساتها، سجل الاقتصاد الفلسطيني تراجعًا حادًّا يصل إلى 12% خلال عام 2020، لتشهد معظم الأنشطة الاقتصادية تراجعًا في القيمة المضافة، ما أدى لانخفاض ملحوظ في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتزايد في عدد العاطلين عن العمل لتدخل فئات جديدة إلى دائرة الفقر، ليتراجع بذلك مستوى الطلب العام لمؤشري الاستهلاك والاستثمار الكلي، وتسبب ذلك في ارتفاع معدلات البطالة والفقر، إذ تعطل عن العمل ما يزيد على 45 ألف عامل يعملون بنظام المياومة، هذا إضافة إلى الخسائر الفادحة التي سوف يتكبدها أصحاب المنشآت الاقتصادية.
شهد عام 2020 ارتفاعًا في معدلات البطالة، وبحسب بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني إن معدل البطالة في قطاع غزة بلغ 49% في الربع الثالث من عام 2020 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد على 208 آلاف شخص عاطل عن العمل ، وبحسب بيانات البنك الدولي إن معدلات البطالة في قطاع غزة الأعلى عالميًّا، وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من 20-29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس في قطاع غزة لتتجاوز 72%.
وقد بلغ معدل الفقر بين سكان قطاع غزة وفقًا لأنماط الاستهلاك الحقيقية 53%، وبلغ معدل الفقر المدقع 33.8% وفق آخر إحصائيات رسمية صادرة من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مع العلم أن خط الفقر للأسرة المرجعية قد بلغ 2470 شيكلًا، وخط الفقر المدقع قد بلغ 1974شيكلًا وفقًا لأنماط الاستهلاك الشهري للأسرة، وتوقع البنك الدولي في تقرير أصدره حديثًا أن ترتفع نسبة الأسر الفقيرة إلى 64٪ في قطاع غزة ، وبلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر 68% أو نحو 1.3 مليون نسمة، و85% من السكان بحاجة عاجلة للمساعدات الغذائية.
وأدى تأزم الوضع المعيشي في قطاع غزة إلى انتشار العديد من الظواهر السلبية، وأهمها انتشار حالات التسول في أماكن معينة كالمستشفيات والبنوك المساجد والكنائس والأسواق والمحال التجارية وجوانب الطرق، وفي أماكن إشارات المرور والمطاعم والمقاهي والأماكن العامة، بشكل ملحوظ في المدة الأخيرة، خصوصًا بين فئة الأطفال.
كما انتشر التسول الإلكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى انتشار العديد من المشاكل الاجتماعية، وعلى رأسها ارتفاع معدلات الطلاق في قطاع غزة، وزيادة ملحوظة في أوامر الحبس على الذمم المالية.
وفي اعتقادي في حال تأزم الوضع سوف تفقد السيطرة على المجتمع، وهذا سوف يؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في نسبة السرقة والجريمة بسبب الاحتياج والعوز.
ساهمت الأوضاع الاقتصادية الكارثية في قطاع غزة، والمتمثلة في انعدام توافر السيولة النقدية بين المواطنين، إلى جانب انعدام القدرة الشرائية للمواطنين في ارتفاع حاد في حجم الشيكات المرتجعة، وانتشرت ظاهرة الشيكات المرتجعة في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة، وألقت بآثارها السلبية على حركة دوران رأس المال، وأحدثت إرباكًا كبيرًا في كل الأنشطة الاقتصادية.
وشهد عام 2020 استمرار ارتفاع عدد وحجم الشيكات المرتجعة، وهو دليل واضح على حالة الانهيار الاقتصادي التي وصل لها قطاع غزة، حيث بلغ عدد الشيكات المرتجعة نحو 15849 شيكًا بإجمالي 57 مليون دولار خلال الربع الأول والثاني والثالث.
ومن المتوقع أن تستمر حالة التراجع خلال عام 2021 مع المؤشرات المذكورة، وغياب أي حلول سياسية تلوح في الأفق على صعيد المصالحة الفلسطينية، أو على صعيد تحسن العلاقة مع الاحتلال، كما أن استمرار جائحة كورونا وإجراءاتها ستنعكس سلبًا على الواقع الاقتصادي.