الفرقان كلمة تحمل معنى ما يفرق بين الحق والباطل، وما بين الخير والشر، وكل ما يفرق بين أمرين يسمى فرقانًا. فهي تطلق على القرآن الكريم، وتطلق على بدر الكبرى، وقد استعارت حماس هذه الكلمة بكل ظلالها الموروثة وأطلقتها على حرب ٢٧/١٢/٢٠٠٨ م، التي واجهت فيها غزة بضعفها المادي، وقوة إيمانها قوات الاحتلال التي شنت حربًا مفاجئة على غزة مستخدمة (٦٤) طائرة قاذفة ومقاتلة أغارت على مواقع الحكومة ومواقع حماس في لحظة واحدة، وأسفرت الضربة الأولى عن مئتي شهيد فلسطيني، ومئات الجرحى، وتدمير عشرات المواقع الحكومية والحركية.
كانت حرب الفرقان التي عرفت (إسرائيليًّا) بحرب (الرصاص المصبوب) تستهدف إحداث أكبر صدمة قتالية لحركة حماس بحيث تحملها على الاستسلام وترك القتال وحكم غزة، ولكن خيبت غزة ما خططت له حكومة الاحتلال فلم تترك حماس الحكومة، ولم تتراجع عن القتال فدخلته دفاعًا عن غزة وفلسطين واستمرت في الدفاع حتى ١٨/١/٢٠٠٩م، وقدمت في دفاعها هذا ١٤٣٨ شهيدًا، و٥٤٠٠ جريحًا، وتوقفت المعركة دون أن تحقق حكومة الاحتلال أهدافها في إسقاط حكومة غزة، واستسلام حماس، واستعادة شاليط، ووقف صواريخ غزة، وإملاء شروط مذلة عليها.
في مثل هذا اليوم قبل (١٢) عامًا كانت حرب الفرقان، ثم تلتها حربان: في عام ٢٠١٢، و٢٠١٤م، ومع قسوة هذه المعارك الثلاثة ظلت غزة كعادتها قسية على الكسر، وعصية على الهزيمة، وخرجت من هذه الحروب قوية تجدد نفسها كما تخرج العنقاء من النار فتية من جديد. وأحسب أن قادة الاحتلال قد أدركوا أنه لا قبل لهم بغزة، وباتوا على جاهزية نفسية أن يتركوا غزة لشأنها وعدم تجديد الحروب معها، حتى لا يتكرر فشلهم في اختراق حصون غزة، التي استعصت على نابليون وغيره من قوى الشر القديم.
غزة ٢٠٠٨م، هي غزة ٢٠١٢م وغزة ٢٠١٤م، وهي غزة ٢٠٢٠م، وستبقى غزة القوة والشوكة في حلق الاحتلال حتى يتحقق النصر ويغادر المحتل الأرض الفلسطينية. غزة التي تقوم على الإيمان وعلى الجهاد تعرف رسالتها، ولن تتخلى عنها لأن عواصم عربية خذلت قضيتها وزحفت نحو الاحتلال تقبل بناته ليدخلن بها إلى البيت الأبيض لتحقيق مكاسب قطرية تتصاغر كثيرًا أمام القدس مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وعروس عواصم العرب قاطبة.
غزة باقية على عهد الخلفاء والشهداء ما بقي زيتون القدس والضفة مضيئًا بنور السماء وبركات الأرض والوطن، وسيعلم الذين ظلموا غدًا أي منقلب ينقلبون. رحم الله شهداء فلسطين.