فلسطين أون لاين

القضمُ المتواصل من الأرض هو الضم

خذ من التل يختل، هكذا يقول المثل، ولو افترضنا أن أرض الضفة الغربية تلٌ، وفي كل يوم يقضم منها المستوطنون الصهاينة قطعة صغيرة، فالنتيجة الحتمية هي اختلال الوضع القائم، ونزوح التل، ونقل رقبة الأرض من حضن الفلسطينيين، لتصير مداسًا لأطماع الصهاينة.

خذ من التل يختل، هذا ما يقوله لنا المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير، والذي يؤكد في تقريره أن محافظات الضفة الغربية شهدت مؤخرا عربدة غير مسبوقة، واعتداءات واسعة من قبل المستوطنين، فيما يخطط الاحتلال لزيادة أعداد المستوطنين إلى المليون، وأورد التقرير الأسبوعي تفاصيل مرعبة عن مساحات الأرض المصادرة.

فلمن يقدم هذا التقرير؟ ومن المسؤول المكلف باتخاذ القرار لوقف هذا القضم اليومي للأرض، والحيلولة دون تسربها إلى أيدي المستوطنين؟ من المسؤول الذي سيقرأ هذا التقرير؟ وما واجباته؟ مع العلم أن المكتب الوطني يقدم تقريرًا أسبوعيًا؟ وماذا لو سكتت القيادة كالعادة، ولم تحرك ساكنًا؟ ولم تتخذ موقفًا؟ واكتفت بقراءة التقرير، أو الاطلاع على الملخص، مع تأشيرة القيادة بكلمة، علم، علم، وانتهى الأمر، ومضى كل إلى غايته.

التقرير الأسبوعي للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان يقدم تفاصيل دقيقة عن مساحة الأرض التي تقضم يوميًّا، ويحدد لنا المكتب الوطني بقعة الأرض المعتدى عليها، ومتى تم الاعتداء، والممارسة الوحشية التي تمت في أثناء الاعتداء، ويأتي التقرير على ذكر المستوطنة التي تم إنشاؤها، والطرق الالتفافية التي أقامها الجيش، والعربدة التي يمارسها المستوطنون الصهاينة فوق أراضي الضفة الغربية من شمالها حتى جنوبها.

فهل أمست هذه التقارير بلا جدوى، طالما لم يتغير شيء، ولم يتخذ أي قرار للمواجهة؟

القضم المتواصل للأرض هو التطبيق العملي للضم الذي تم تأجيله، هذا ما تقوله القيادة الفلسطينية نفسها، وهذا ما يؤكده التقرير، فهل اقتصرت مقاومة الاستيطان على تقديم التقارير الإخبارية عن القضم والتوسع والاعتداءات الصهيونية على الأرض الفلسطينية؟ ومن ثم التوثيق، وتقديم شكوى؟ وهل نكتفي بمسيرات يوم الجمعة التي لم ترعب المستوطنين؟

قد يقول البعض: ما لنا حيلة، وقد خذلنا العرب، وتخلوا عنا، وطبعوا مع الصهاينة، ونحن بلا ظهر، وبلا سند، فماذا نحن فاعلون؟ وقد استغلت (إسرائيل) أجواء التطبيع هذه، فوزعت الابتسامات على حساب الحقوق الفلسطينية، ووقعت الاتفاقيات التي طمأنتها على مستقبلها، وراحت تتوسع فوق الأرض الفلسطينية، دون أن تخشى لومة لائم، أو عتاب صديق.

وعلى الرغم من موضوعية هذا الطرح، فإن فيه تبرئة للنفس، وتحميل المسؤولية للآخرين، واتهامها بالنكوص والخنوع للأطماع الإسرائيلية، دون أن نسأل أنفسنا نحن الفلسطينيين: ماذا فعلنا لوقف القضم؟ هل تحركنا على الأرض مقاومة بالقدر نفسه الذي تحرك فيه المستوطنون اغتصابًا؟ هل أزعجنا المستوطنين الصهاينة بصرخاتنا على رأي غاندي؟ هل كسرنا في كل صباح رأس مستوطن صهيوني بحجر، وسالت أطماعه وجعًا تحت قبضات الشباب؟

يقول المثل العربي: لا يحرث الأرض إلا عجولها، فإذا كانت عجولها ترتع في حقل التنسيق الأمني، مطمئنة لسكين الجزار، فكيف نرجو أن تحرث الأرض عجول الجيران؟