فلسطين أون لاين

"فلسطين" تحاور أحد المؤسسين م. عيسى النشار عن "مخاض الانطلاق"

حوار في "البيان الأول".. "سبعة أقمار" أضاءوا بـ"حماس" وجه القضية

...
المؤسس م. عيسى النشار

الشيخ "ياسين" نال احترام العالم بما يحمله من فكر وسطي

الإبعاد إلى "مرج الزهور" مثل فتحًا جديدًا محليًّا وخارجيًّا

بعضٌ نظر إلينا قبل الانتفاضة باستهزاء لكننا فرضنا على الجميع إعادة حساباتهم

في البيان الأول صدر قرار التحرك الشعبي ضد المحتل

غزة/ يحيى اليعقوبي:

مخططٌ جديد سيضرب عنق القضية الفلسطينية بـ"تدجين" الشعب الفلسطيني، وجريمة صدمٍ متعمدة نفذها المستوطن الإسرائيلي هرتسل بوكبزا بشاحنة، نتج عنها استشهاد أربعة عمال فلسطينيين، ظروف غير اعتيادية تحرك عاصفة المواجهة، وتنفض رمال المعركة في وجه الاحتلال، سبعة رجال يجتمعون على طاولة قرار لإيقاد شعلة "الثورة" التي تغمر قلوب كل الفلسطينيين بعد حادثة الدعس واعتداءات الاحتلال المتكررة سنة 1987م.

اجتماع مصيري لأسماء لمعت في سماء القضية الفلسطينية، وأقمار أنارت القضية وأزاحت ستار الظلام المطبق على الشعب الفلسطيني، على الطاولة يجلس المؤسسون: إبراهيم اليازوري، وحسن شمعة، وصلاح شحادة، وعبد الفتاح دخان، وعبد العزيز الرنتيسي، وعيسى النشار، يرأسه الشيخ أحمد ياسين مقعد على كرسي متحرك، يتباحثون في سبل المواجهة، وهو على موعد مع قرار حاسم.

33 عامًا مرت على ذلك الاجتماع، الذي صدر عنه قرار غير مجريات الصراع وأحدث تغييرًا مهمًّا في المنطقة ولدت من رحمه ثورة ما زالت مشتعلة سميت فيما بعد باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ينقلنا المؤسس المهندس عيسى النشار إلى قلب تفاصيله، في حوار خاص استمعت فيه صحيفة "فلسطين" من ضيفها، إلى مراحل وتجارب عديدة مرت بها الحركة، وانعكاس شخصية "الياسين" رجلًا مقعدًا في بناء حماس.

"في بداية عهد الثمانينيات، استمرت مقاومة أبناء الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وكنا نجتمع دوريًّا نحن السبعة تحت إطار جماعة الإخوان المسلمين، لتربية الشباب، والعمل النقابي، وحث الناس على المقاومة، لكن بعد حادثة دعس العمال في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر   1987م، اجتمعنا في الـ14 من الشهر ذاته، ودار بيننا تدارس للأمر وهل سيكون هناك حراك شعبي" يقول النشار الذي يكنى "أبا علي"، وهو أصغر المؤسسين سنًّا إذ لم يتجاوز اليوم حاجز الـ66 من عمره.

"تحرك شعبي"

ويضيف النشار: "الشيخ الياسين كان يجيد الاستماع لجميع الآراء والتشاور قبل اتخاذ القرار الحاسم"، مبينًا أن هناك تخوفات كانت عند بعض المجتمعين على الجامعة الإسلامية التي ينتمي إليها معظم أبناء الحركة الإسلامية حينها، إذ إن رصيد الحركة من الطلاب والمعلمين فقط، ودار نقاش بشأن العواقب مع احتمالية إغلاق الجامعة في حال الانطلاق، كسيناريو قد يحدث وحدث بالفعل، لكن صدر القرار الحاسم من الشيخ بعد التصويت عليه (أربعة مقابل ثلاثة)، بالتحرك الشعبي ضد المحتل والمواجهة، وصدر أول بيان باسم الحركة، ويومها كُلِّف الشيخ أحمد ياسين بإعداده، وإصداره في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1987م، الذي عدّ يوم انطلاقة.

يعلق الشيخ النشار على أثر قرار الياسين الذي جاء بعد تشاور مع رفاقه المؤسسين: "كان القرار واضحًا وحاسمًا بالمواجهة، واستخدمت كلمة انتفاضة لأول مرة في التاريخ المعاصر في البيان (...) القرار غير وجه المنطقة وأعاد للقضية الفلسطينية اعتبارها، والأمل لشعبنا في أنه سيتحقق ما يصبو إليه من حرية وعودة للأرض، وانتهت كل المخططات التي عملت على تدجين الشعب الفلسطيني في تلك المدة عبر العمل والتزاور".

بعد شهر من انطلاق شرارة الانتفاضة بالضفة الغربية، انتقل عبد الفتاح دخان والقيادي محمد الحسنات للضفة الغربية، كما يذكر النشار، والتقوا أعضاء للحركة الإسلامية بالضفة الغربية، للالتحاق بركب الانتفاضة، يقول: "حينها اقترح القيادي حسن القيق إطلاق اسم "حماس" على الحركة الإسلامية، بدلًا من اختصار (ح، م، س) التي كانت تذيل بها البيانات الصادرة قبل الانتفاضة وما يكتب على الجدران، واعتمدنا الاسم".

الأفكار التي كان متفقًا عليها بين المؤسسين: حث المواطنين على مقاومة الاحتلال، والالتفاف حول خيار المقاومة الشعبية، بإشعال الإطارات "الكوشوك"، والحجارة، والتحذير من مخاطر الانزلاق في وحل العمالة مع الاحتلال.

التف الناس حول قرار التحرك، رغم ارتكاب الاحتلال جرائم وارتقاء شهداء ووقوع إصابات، لكن لم يستطع الاحتلال وأد الفكرة التي انطلقت من الياسين ورفاقه، يستذكر النشار: "تصاعدت الأحداث، وتفاعل الشباب مع الحراك، وطوروا من أساليبهم، وأصبحت ثورة لا يمكن إنهاؤها، بعد أن حركت مشاعر أبناء شعبنا والتف الفلسطينيون حولها من كل أطيافهم، حتى فصائل منظمة التحرير التحقت بالانتفاضة بعد شهر وشكلت قيادة موحدة (لم تكن حماس ضمنها) وأصبح الكل يشارك في الانتفاضة".

"إعادة حسابات"

 يتابع: "بعضٌ نظر إلى الحركة الإسلامية قبل الانتفاضة نظرة سلبية، أو استهزاء بعد إطلاق اسم "حماس"،  وبدرت أساليب غير لائقة،  لكن استمرار العمل والمواجهة، وحجم الاعتقالات واستمرار المقاومة وتصاعدها فرض على الجميع إعادة حساباته، وانتقلت من الحجر والكوشوك إلى المتفجرات، وأصبح لديها جيش دخل بمعارك وصد حروبًا شنها الاحتلال على غزة لم تصمد أمامه دول، وفازت بالانتخابات التشريعية عام 2006م، التي أعطت وزنًا جديدًا لها وأصبحت في مقدمة الصفوف الفصائلية، حريصة على الوحدة، وبناء علاقة متينة مع الفصائل، ما أعطاها مصداقية لدى الجميع".

هل توقعتم في اجتماع إصدار البيان أن تصل حماس إلى ما هي عليه اليوم؟، تبسم صوت أحد مؤسسيها السبعة، قبل أن يجيب: "حقيقة، في كثير من المحطات كنا نجري تقييمًا، ولم يكن التصور أن تكون بهذا الشكل، بداية التأسيس قررنا المواجهة لكن لم ندرك كيف ستتطور الأمور والوضع المستقبلي، في حين كانت المقاومة الشعبية تتطور بعد نزول كل الجماهير، وتطور الأحداث التي فرضت ذاتها، وحدثت الاعتقالات، والإنجازات، بدأنا التسعينيات بعمل مختلف".

يقول النشار: "هناك محطات كان حدوثها يزيد الحركة قوة، مثلًا الاعتقالات كانت تخرج كوادر واعية لديها وعي أمني وحركي، الإبعاد إلى مرج الزهور مدة عام كامل في عام 1992م مثل فتحًا جديدًا محليًّا وفي الفضاء الخارجي المحيط بنا، عبر التقاء علماء ومفكرين من الخارج (...) نعده فتحًا، أن يتمكن المبعدون من اتخاذ قرار العودة؛ فهذا لم يحصل من قبل".

ضربات قاسية

مثلت الاعتقالات التي شنتها السلطة الفلسطينية عام 1996م "أسوأ مرحلة" للحركة، وفي ذاكرة أحد مؤسسيها، يضيف: "لم يكن لدينا قرار بالمواجهة مع أي طرف فلسطيني، أو الدخول بصراع مع السلطة، حدث قتل للمصلين في مسجد فلسطين، وتلقت الحركة بجناحها السياسي والخدمي والعسكري ضربات قاسية جدًّا من الأجهزة الأمنية، وضرب الجهاز العسكري ولم يعد له وجود، وتحملت الأذى إلى أبعد حدود".

يستدرك: "بعدما فشلت المفاوضات بين السلطة والاحتلال وشعر أبو عمار أنه ليس هناك إمكانية لتحقيق شيء للشعب، انطلقت انتفاضة الأقصى عام 2000م، وشارك فيها أبو عمار، وفتح المجال لخروج أبناء حماس من السجون، وحدث تعاون بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في تسليح شباب حماس بقرار من أبي عمار، وانخرطوا انخراطًا فاعلًا".

"رؤية الشيخ الياسين"

انعكست رؤية الشيخ الياسين في المنهج الوسطي على بناء حماس، يقول النشار: "الشيخ الياسين كان المقعد الوحيد بيننا، لكنه كان أكثرنا همة وعملًا ونشاطًا، يجول قطاع غزة قبل الانتفاضة والداخل المحتل، يعدها شعلة موقدة"، يمتزج صوت المؤسس النشار بالفخر في تذكر الياسين: "في أي لقاء كنا نشعر بالتعب، كان لا يمل، يسمع لجميع الآراء جيدًا، وله القدرة على حسم الأمور، وبطبيعته هو محب صبور، كان حجة على الجميع بعمله وعطائه".

"الإعاقة لم تحل دون قيامه بعمله، العالم كله بات يتحدث عنه، وكان محفزًا للجميع للاقتداء به، نال احترام الجميع بما يحمله من فكر وسطي؛ فهو إنسان صاحب حق، حتى الاحتلال لم ينكر دور الرجل".

المخطط الثاني في المؤامرة تمثل في اتفاق "أوسلو" وإنهاء القضية عبر اتفاقية "هزلية"، يعلق المؤسس: "الجميع اليوم يدرك أنها مهزلة، والمقاومة أفشلت المخطط، وحاولوا مرة أخرى باسم الانتخابات ليأتوا بالمقاومة تحت مظلة أوسلو، وأيضًا فشلوا عندما انقلبت الطاولة على الجميع بفوز حماس في الانتخابات التشريعية، وحدث حصار وحروب ومحاولات إجهاض المقاومة، واليوم عبر صفقة القرن، لكنه كله يتحطم أمام صخرة المقاومة".

بطاقة تعريف:

المهندس عيسى النشار

ولد في مدينة دير البلح عام 1954م، وهو لاجئ من قرية "زرنوقة" قضاء الرملة.

التحق بكلية الهندسة بجامعة عين شمس في القاهرة.

شارك مع الشيخ أحمد ياسين في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في 14 كانون الأول/ ديسمبر/ 1987م.

أسرته قوات الاحتلال سنة 1973م، ثم 1988م، ثم 1990م.

وفي 1992م أبعده الاحتلال مع المئات من قادة حماس إلى "مرج الزهور" جنوب لبنان، وبعد عودته اعتقلته أجهزة السلطة سنة 1995م أربعة أشهر.

 

المصدر / فلسطين أون لاين