فلسطين أون لاين

فن "حماس".. "قوة ناعمة" تُلهب المشاعر الوطنية

...
غزة/ هدى الدلو:

"بدنا نعمل مع حماس 24 ساعة"، "يا شباب الإسلام"، "يوم انطلاقتنا جينا"، هذه بعض الأناشيد التي أنتجها فنانو حركة المقاومة الإسلامية حماس، وخاطبوا بها الجماهير وألهبوا مشاعرهم الوطنية قبل ربع قرن.

حماس التي تحل اليوم الذكرى الـ33 لانطلاقتها لم يقتصر إنتاجها الفني الذي مثل أحد الأسلحة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، على الأناشيد التي تناولت مضامين تركز على فلسطين والقدس والشهداء والقادة، بل توجهت أيضًا للمسرح وإنتاج الأفلام والمسلسلات المقاومة، لتشهد الحركة تطورًا فنيًّا يحمل في طياته أهدافًا ورسالة.

الفنان مروان أبو الحسنى الذي يعمل منشدًا في فرق فنية عدة، ومعدًّا للبرنامج الإنشادي في فضائية الأقصى وإذاعتها، يقول: "الأنشودة كانت وما زالت عبارة عن القبطان الذي يقود السفينة، ويلهب مشاعر الجماهير، فلها أثر ورسالة".

ويشير في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أن حماس عندما نشأت كان الفن سبيلًا لتعريف الناس بها وبأهدافها ورسالتها، مضيفًا: "إن مؤسس الحركة الشيخ الشهيد أحمد ياسين كوّن فرقة المجمع الإسلامي للإنشاد والمسرح، ليعرف الناس بالحركة من طريق مهرجانات تقام على وقع الكلمة الملتزمة".

فمن الأناشيد الروحانية إلى الأناشيد الحماسية التي كانت تحث الناس على الانتفاض في وجه المحتل، ومقاومته بالحجارة، وبعد ارتقاء الشهداء أصبحت في أناشيدها ترثيهم، ومن هنا بدأت الأناشيد تواكب مراحل الجهاد، كالإنشاد للأسرى، ومبعدي مرج الزهور، وللأرض والغربة، والتنديد بالمجازر والحروب والمؤامرات التصفوية للقضية الفلسطينية، وغير ذلك.

ويوضح أبو الحسنى أن الأناشيد الخاصة بحماس هي ذاكرة وتاريخ مكتوب ليس على الأوراق بل باللحن والإنشاد، خاصة أن الكثير من الناس يميلون إلى الاستماع أكثر من القراءة.

ويبين أن الأناشيد لم تلهب مشاعر الفلسطينيين داخل حدود الوطن فقط، إنما امتد تأثيرها إلى جميع محبي فلسطين وحماس في أرجاء المعمورة، فوصلت رسائلها إلى السودان ولبنان والجزائر وغيرها.

من جهته يقول أحد مؤسسي العمل الفني المقاوم في حماس د. رمضان الصيفي: "بداية الفن كانت بسيطة عبر مواهب بعض الشباب بعمل (إسكتشات) تاريخية، ومع إقبال الناس على الحفلات الإسلامية انبرى بعض الشباب لتطوير الفن وملامسته لواقع الناس واحتياجاتهم الاجتماعية، وتطرق أيضًا إلى القضايا السياسية بصورة غير مباشرة".

الصيفي المسئول السابق لفرقة الفن الإسلامي هو أحد المنشدين الذين كان لهم علامة فارقة في مسيرة النشيد الإسلامي بالقطاع، وصاحب الحنجرة التي دخلت كل بيت في غزة بعد العمليات الاستشهادية، خاصة "فن الزجل الشعبي".

بدأ الصيفي أول أعماله الفنية في الحركة بالزجل الإسلامي الذي يحث الناس على الصبر، ثم أصبحت أناشيده تؤرخ الانتفاضة الفلسطينية وبطولة مقاومي الحجارة، ومن هنا بدأ إبداع حماس بالفن في الانطلاق.

ويبين لصحيفة "فلسطين" أن إقبال الناس على المسرح جعل القائمين على الفن في الحركة يواكبونه لنقل تطور حياة الناس، ومعالجة بعض العادات والتقاليد حتى انطلاق الانتفاضة الأولى، وفي ذلك الوقت بدأت الأعمال الفنية تحاكي العمل المقاوم.

ويؤكد الصيفي أن حماس استطاعت أن تحقق أشياء كثيرة عبر الفن بالأناشيد والمسرح، وتمكنت من إقناع الناس بالأناشيد الإسلامية، لتقدم للناس الفن الأصيل.

من جهته يوضح عضو مجلس إدارة دائرة العمل الفني لحماس أ. سعد اكريم أن الحركة آمنت بالفن ودوره في معركة التحرير قوة ناعمة لا بد منها، واشتهرت كلمات الشيخ المؤسس ياسين: "الفن لا يواجه إلا بالفن"، لذا تضمن ميثاق حماس المادة التاسعة عشرة تحت عنوان: "دور الفن الإسلامي في معركة التحرير".

وتنص المادة المذكورة على أن "للفن ضوابط ومقاييس، بها يمكن أن يُعرف هل هو فن إسلامي أم جاهلي؟، وقضايا التحرير الإسلامية بحاجة إلى الفن الإسلامي الذي يسمو بالروح ولا يغلّب جانبًا في الإنسان على جانب آخر، ولكن يسمو بجميع الجوانب في توازن وانسجام".

"فالكتاب، والمقالة، والنشرة، والموعظة، والرسالة، والزجل، والقصيدة الشعرية، والأنشودة، والمسرحية وغير ذلك، إذا توافرت فيه خصائص الفن الإسلامي، فهو من لوازم التعبئة الفكرية، والغذاء المتجدد لمواصلة المسيرة، والترويح عن النفس، فالطريق طويل والعناء كثير، والنفوس تمل، والفن الإسلامي يجدد النشاط، ويبعث الحركة، ويثير في النفس المعاني الرفيعة والتدبير السليم".

تطور العمل الفني

ويبين اكريم أنه نظرًا لأهمية هذا الثغر ودوره في صناعة النجوم المؤثرة، ووجوب العمل على تربيتهم إيمانيًّا وتطويرهم فنيًّا؛ كان الشيخ ياسين يتابع هذا الملف شخصيًّا منذ بداية العمل الفني حتى استشهاده، فكان يتابع فرقة المجمع الإسلامي الفنية، ثم دعم الفرق الفنية التي تشكلت تباعًا، ثم أشرف على تأسيس ودعم شركة أمجاد للإنتاج الفني.

وينبه في حديثه مع صحيفة "فلسطين" إلى أن هذا الاهتمام نابع من اقتناع قيادة الحركة بأن الفن من أهم وسائل تحقيق أهدافها، وتعزيز القيم التي تنادي بها وتعمل على ترسيخها.

ويرى اكريم أنه بفضل الرعاية الكبيرة من الشيخ الشهيد للفن تطور العمل الفني من تسجيل الأناشيد و(الكاسيتات) على مسجل بسيط في مكتبة مسجد أو بيت إلى أستوديو أمجاد، ثم الانفتاح على أستوديوهات في الخارج، لافتًا إلى أن تأسيس إذاعة الأقصى مثل نقلة في تأسيس الدراما الإذاعية ودعم الفنانين والتعريف بهم.

ويتابع: "إضافة إلى المسابقات التي أطلقت بين الفرق الفنية بالقطاع عبر إذاعة الأقصى، ثم تأسيس قناة الأقصى الفضائية التي أسهمت بتأسيس الدراما التلفزيونية والنشاط السينمائي بإنتاج فيلم عماد عقل، ثم تأسيس الدائرة الثقافية بفرعيها رابطة الفنانين الفلسطينيين ورابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين"، ويذكر أن كاتب السيناريو لهذا الفيلم هو القيادي في حماس عضو مكتبها السياسي الدكتور محمود الزهار.

ويشير اكريم إلى أن تلك الدائرة والرابطة أسهمتا في احتضان الفنانين والتعريف بهم، وإنتاج أفلام حصل بعضها على جوائز دولية، كفيلم "عاشق البندقية" الذي يؤرخ لسيرة حياة الشهيد عوض سلمي، ثم تأسيس دائرة العمل الفني للحركة التي اهتمت بالمواهب الفنية داخل التنظيم واحتضانهم.

ويختم اكريم حديثه: "إن لرابطة الفنانين الفلسطينيين دورًا في الانفتاح على الجهات الفنية العربية والإسلامية، وعقد اتفاقيات التعاون المشتركة مع نقابات المهن التمثيلية والمهن السينمائية والموسيقية في مصر، ومع جهازي السينما المصري والإيراني، وعقد مهرجانات فنية عديدة في تونس ومصر".