دخل الاقتصاد الفلسطيني في عام 2020 الذي يقترب على الانتهاء، منحدرات خطرة جدًّا من جراء تعرضه لهزات اقتصادية قوية، تسببت بها: جائحة كورونا، وحجز الاحتلال أموال المقاصة، واستمرار فرض الحصار على قطاع غزة.
ويخشى المراقبون الاقتصاديون أن يبقى الاقتصاد الوطني يعاني تلك التراجعات، وأن يستمر الكساد يعصف بالحركة التجارية حتى مع العام الجديد، وأن تسجل الشيكات المرتجعة أعدادًا مرتفعة، وتنخفض الإيرادات العامة.
وقال الاختصاصي الاقتصادي د. رائد حلس: "لقد خضع الاقتصاد الفلسطيني في عام 2020 تحت ضغط اقتصادي من عدة قوى أهمها استمرار الحصار المشدد على قطاع غزة وتحكم الاحتلال الإسرائيلي في المعابر ومنع حرية الحركة للأفراد والبضائع واستمرار حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي وما تركه من آثار سلبية في العام، خاصة ما يتعلق باستمرار خصم الرواتب الخاصة بالموظفين العموميين في قطاع غزة بجانب استمرار عملية الجمود السياسي".
وأضاف حلس أن انخفاض حجم المساعدات الخارجية المقدمة للسلطة الفلسطينية وقطع المساعدات الأمريكية وقيام الاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء على أموال المقاصة وكذلك انتشار جائحة كورونا في الأراضي الفلسطينية وما تسببته من توقف مفاجئ لعجلة الاقتصاد الفلسطيني نتيجة فرض حالة الطوارئ وما رافقها من إجراءات وقائية وتدابير احترازية للحد من انتشار وتفشي الفيروس، جميعها عوامل أثرت سلبًا في الاقتصاد.
وأضاف: "كل هذه العوامل تشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يعيش واقعًا مأساويًّا في عام 2020 وربما هو الأسوأ نتيجة التراجع الخطر في مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي ترجمت على أرض الواقع من خلال انخفاض معدل النمو الاقتصادي بما يعادل 11% مقارنة مع عام 2019 وانخفاض الإيرادات المحلية وزيادة في النفقات الحكومية، ومن ثم زيادة العجز في الموازنة العامة وارتفاع معدلات البطالة واتساع دائرة الفقر نتيجة فقدان الآلاف من العاملين العمل في أثناء جائحة كورونا، وكذلك الخسائر الاقتصادية التي تكلفتها القطاعات الاقتصادية والتي تقدر بحوالي 2.5 مليار دولار في جائحة كورونا.
ورجح حلس أن يكون العام القادم أفضل نوعًا ما من عام 2020 نتيجة عودة أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية ونتيجة العودة التدريجية لاستئناف النشاط الاقتصادي سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة ضمن خطة التعايش الاقتصادي مع الفيروس مع أخذ إجراءات الوقاية والسلامة إضافة إلى وجود بوادر لاستئناف حوارات المصالحة الوطنية و"كذلك حدوث تقدم في مسار العلاقات السلطة مع الاحتلال لا سيما بعد حدوث تغيير في الإدارة الأمريكية ورحيل دونالد ترامب عن سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية"، وفق تقديره.
من جانبه قال الاختصاصي الاقتصادي خالد أبو عامر: "لقد واجه الاقتصاد الفلسطيني في عام 2020 جملة من التحديات، كان أبرزها أزمة وباء كورونا وما نجم عنها من تداعيات أثرت تأثيرًا رئيسًا في القطاع التجاري والحكومي نتيجة لقرارات الإغلاق سواء في مناطق السلطة أو داخل الخط الأخضر بسبب القيود التي فرضت على دخول العمال الفلسطينيين إلى مناطق عملهم".
وأضاف أبو عامر لصحيفة "فلسطين": انعكست هذه الأزمة على تحفيز الطلب، إذ أدت هذه الظروف إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصًا أنها تزامنت مع أزمة أموال المقاصة التي أدت إلى تراجع مدخولات السلطة من الضرائب، إجمالًا لم يُستثنَ أي قطاع اقتصادي أو تجاري أو أسري من الأزمات التي عصفت بالاقتصاد الفلسطيني.
وتابع أبو عامر القول: "من ناحية أخرى كان من اللافت في هذا العام هو لجوء السلطة إلى الاقتراض من البنوك المحلية لتغطية أزمة تراجع الإيرادات بسبب أزمة المقاصة، وفرض المجتمع الدولي باستثناء الدول الأوروبية حصارًا ماليًّا على السلطة، وهذا أدى إلى زيادة العبء على الدين العام".
وأشار أبو عامر إلى أنه ووفقًا لأرقام حكومية فقد وصل الدين العام المحلي والخارجي على السلطة إلى حاجز (18) مليار شيقل، وهذا يشكل ما نسبته 60% من حجم الناتج المحلي.
وبشأن توقعاته للعام المقبل قال أبو عامر: "إن توقعات العام القادم لا تبدو متفائلة بعودة الاقتصاد الفلسطيني إلى مسار الانتعاش، لأن الأولوية وفقًا للحكومة هي إنهاء تبعات أزمة كورونا والتخلص من تكلفة الاقتراض الذي تحملته في العام الجاري".
وأضاف: "لذلك قد نشهد تحسنًا نسبيًّا في أداء الاقتصاد الفلسطيني، هنالك جملة من المتغيرات التي ستكون عاملًا رئيسًا في تحسن أداء الاقتصاد الفلسطيني، وهو عودة أموال المساعدات العربية والدولية كما كان عليه الوضع قبل توتر العلاقات وتراجعها في العامين الأخيرين، إضافة إلى استمرار الجانب الإسرائيلي في الإيفاء بالتزاماته المتعلقة بتسليم أموال المقاصة دون اقتطاعات".
من جهته أكد الاختصاصي د. نائل موسى أن الوضع الاقتصادي الفلسطيني يعاني تدهورًا كبيرًا جدًّا، وأن التخوف أن يبقى الوضع على ما هو عليه العام الجديد.
وقال موسى لصحيفة فلسطين: "إن المنشآت الصناعية والتجارية تضررت كثيرًا هذا العام، إذ ارتفعت الشيكات المرتجعة، وتراجع معدل الاستثمار، وتراجعت الصادرات والإيرادات، وهذه هزات ضربت الاقتصاد الفلسطيني في مقتل.
ورأى موسى أنه يجب أن تقدم الحكومة برامج إنعاش عاجلة للقطاع الخاص، من أجل مساعدته في تجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة، وأن توسع البنوك من تسهيلاتها الائتمانية بمنح قروض بنسب فائدة متدنية وفترات تسديد مطولة".