منذ أن أعلن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عن قرار افتتاح قنصلية عامة للإمارات في مدينة العيون بالمملكة المغربية، والأسئلة تتناسل على ألسنة المغاربة، عن الأهداف الكامنة من وراء افتتاح الإمارات لقنصليتها في مدينة العيون المغربية؟ هل يسعى ابن زايد لجرّ المغرب إلى جوقة المطبعين التي تقودها الإمارات؟ أم أن القرار جاء فعلا كما قال محمد بن زايد لدعم الوحدة الترابية للمملكة على هذا الجزء من ترابه؟
قال لي أحد الأصدقاء وهو يحاورني:
إني أتوجس خيفة من هذا القرار الذي اتخذته الإمارات؟
قلت: ولم هذا التوجس؟
قال: إني أرى أن ابن زايد يلعب لعبة خطرة مع المغرب ليجره إلى توقيع اتفاق سلام مع (إسرائيل).
قلت لصديقي: ولكن، فيما أعلم أن المغرب سبق وأن طلب من عدة دول افتتاح تمثيليات دبلوماسية في المدن الصحراوية، كنوع من الاعتراف الفعلي بسيادة المملكة على أراضي الصحراء. وأظن أن المغاربة مدينون للإمارات بأن كانت هي أول بلد عربي يفتتح تمثيلية دبلوماسية له في مدينة العيون.
فقال صديقي وقد علا صوتَه الغضب: إن ما يثير الشكوك في نفسي، وفي نفس كثير من المغاربة هو توقيته وتزامنه مع اتفاقات التطبيع.
قلت: ولكن، ألا تعلم بأن السلطات المغربية قد رحبت بالقرار واعتبرت أن فتح القنصلية الإماراتية بالعيون قرارا تاريخيا مهما وداعما للوحدة الترابية للمملكة، خاصة وأن الإمارات شاركت في المسيرة الخضراء التي نظمها المغرب نحو صحرائه سنة 1975.
سكت صاحبي قليلا، ثم أجابني بحدة: إذا كان من حق السلطات أن تعلن ترحيبها بالقرار، وتحتفي به، فإن من حقنا نحن أيضا أن نعبر عن هواجسنا وتخوفاتنا إزاء ما يجري في وطننا.
ثم أردف قائلا: إن ما يجعلني متوجسا هو أن دولة الإمارات أينما حلت وارتحلت إلا وحل الخراب، انظر كيف حوّلت خططه لتوسيع نفوذ بلاده في اليمن إلى أزمات إنسانية وعسكرية وسياسية. ثم إن هناك سببا أقوى يجعلني أتوجس أكثر من هذه الدولة هو العلاقة الحميمية التي تربط ابن زايد عرّاب التطبيع مع الكيان الصهيوني بالثنائي بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ودونالد ترامب الرئيس الأمريكي، اللذين يكنان للعرب الحقد والكراهية.
فقلت لصاحبي أتحداه: وهل تعتقد أن المغرب سيستجيب لغوايات ابن زايد فيعلن تطبيع علاقاته مع (إسرائيل)؟
أجابني صاحبي مترددا: كل شيء ممكن.. في عالم السياسة لا تدرك كيف تتشابك المصالح وتتداخل، وبحكم تحقيق هدف ما، تجرى التحالفات على حساب المبادئ والاخلاق، لكن في المقابل الحذر مطلوب. وعلى المغرب أن يضع استقلالية قراره ومصالحه القومية فوق كل مصلحة تضرّ بإخواننا الفلسطينيين.
فقلت له: أتدري لماذا لا يمكن للمسؤولين المغاربة أن يطبعوا العلاقات مع (إسرائيل)؟ ودون أن أنتظر منه الجواب، قلت له: إن تعلق المغاربة بفلسطين وحبهم لأرض الإسراء والمعراج، والقدس الشريف، وكذا الوشائج التاريخية التي تربط الشعب المغربي بالشعب الفلسطيني، تمنعهم من ذلك. ضحك صاحبي منغضا إليَّ رأسه، وقال: أتمنى ذلك.
فلاش:
كتبتُ هذا المقال قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في تغريدة على تويتر، أن المغرب قد ركب قطار التطبيع، واتفق مع الكيان الصهيوني الغاصب على علاقات دبلوماسية كاملة، فلما سمعت هذا الخبر الذي نزل عليّ كالصاعقة، تبرّأت منه وقلت في نفسي أحدثها: ما الذي استجد؟ فإلى غاية شهر غشت/ أغسطس الماضي لا زال المغرب متشبثا بمواقفه التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، وبالمناسبة صرح رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، بأن المغرب: ملكا وحكومة وشعبا، يرفضون أي تطبيع مع “الكيان الصهيوني” ويرفضون أي انتهاك لحقوق الشعب الفلسطيني أو تهويد الأراضي الفلسطينية، أو التفريط في المسجد الأقصى والقدس الشريف”.
ماذا حدث؟ هل توقفت (إسرائيل) عن انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وتهويد الأراضي؟ أم هل اعترفت بعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف؟ أم هل استجابت لموقف المغرب الرسمي في دعم حل الدولتين مع إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية؟ أم ماذا حدث؟ لكن الأكيد هو أن المغاربة الذين رضعوا من أثداء أمهاتهم أن "فلسطين أمانة" باقون على العهد، لن يقايضوا ولن يساوموا على القضية، ولن يصالحوا، حتى يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة كاملة. وإلى ذلكم الحين عاشت فلسطين حرة أبية.