يعتقد الإسرائيليون أن اندلاع انتفاضة الحجارة قبل 33 عاما، جاء أشبه ما يكون بـ"الاختراق" لحالة الاستكانة الفلسطينية التي امتدت قرابة عشرين عاما منذ الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من فلسطين في عام 1967، وهذا وصف صادق لما حدث، بعد أن قررت كل مدينة وقرية وحي فلسطيني المشاركة في الانتفاضة، والاشتباك مع الجيش والمستوطنين.
فور اندلاع الانتفاضة، دخل قاموس جديد لجميع وسائل الإعلام الإسرائيلية: مظاهرات، رشق حجارة، زجاجات حارقة، هراوات، رصاصات مطاطية وبلاستيكية، اعتقالات جماعية وهجمات مسلحة، بعد أن ساد صمت نسبي طيلة عشرين عامًا بين 1967 و1987 في الأراضي الفلسطينية، وفجأة، دخلت انتفاضة الفلسطينيين الشعبية إلى حياة الإسرائيليين مثل بركان لا يتحكمون فيه، ولا يعرفون متى سينفجر، لكن الانتفاضة اندلعت بصورة لم يرها أحد.
غلب على اندلاع انتفاضة الحجارة الكثير من عوامل التشكل عشية اندلاعها، بسبب عدم وجود أفق سياسي، والبطالة الشديدة، ووجود قطاع كبير من الشباب الفلسطيني عاطلين عن العمل، وقبل ذلك وبعده إطلاق سراح 1150 أسيراً في صفقة تبادل الأسرى عام 1985 مقابل 3 أسرى من الجيش الإسرائيلي.
تعززت القناعة الإسرائيلية بأن الفلسطينيين حين أطلقوا انتفاضتهم فسروا هذه الصفقة بأنها ضعف كبير لإسرائيل، واليوم بعد مرور كل هذه السنوات على هذه الانتفاضة، يمكن التأكيد على القليل جدا حول تداعياتها، وما زالت تلازمنا بعضها حتى يومنا هذا.
ألحقت انتفاضة الحجارة الكثير من الأضرار بقوة الردع الإسرائيلية، وما زالت قائمة وماثلة، وكأن هناك خطا مستقيما بين نتائج حرب أكتوبر 1973، وجرأة التنظيمات الفلسطينية على إسرائيل في الأردن ولبنان خلال حقبة السبعينيات، وعودة فلسطينيي الأراضي المحتلة لذات الجرأة في أواخر الثمانينيات، حيث توقفت إسرائيل عن إخافة العرب والفلسطينيين في حرب 1967، وتوقفت مؤسستها العسكرية عن الردع.
ما زالت صورة الطفل الفلسطيني ابن العشر سنوات، يلقي حجرا على دبابة إسرائيلية في نابلس محفورة إلى الأبد، مثل "داود الفلسطيني الذي هدد جالوت الإسرائيلي"، وسوف تمر بضع سنوات أخرى قبل أن تستعيد إسرائيل قوتها الرادعة.
كما أن أضرارا كبيرة لحقت باقتصاد إسرائيل منذ 1967 بسبب الانتفاضة، ففيما نشر الجيش الحد الأدنى من قوته العسكرية بالضفة الغربية، وكان يكفي مدينة جنين سيارتا جيب لضبط أمنها، فإن اندلاع الانتفاضة تطلب إطلاق فرقة مدرعة بالضفة الغربية، وترك عشرات الآلاف من جنود الاحتياط وظائفهم، وأجبروا على التعامل مع أعمال المظاهرات المدرسية في رام الله ونابلس والخليل وغزة ورفح، وهذه عينة عشوائية فقط من الإخفاقات الإسرائيلية أمام تلك الانتفاضة.