ثلاثة وثلاثون عامًا مرت على انتفاضة الحجارة. الانتفاضة تفجرت في الثامن من ديسمبر في عام ١٩٨٧م. السبب المباشر هو تعمد حافلة صهيونية دهس أربعة عمال فلسطينيين جميعهم من جباليا شمال قطاع غزة. والسبب غير المباشر والذي تجمع تراكميًّا تحت حافة الانفجار هو الاحتقان الشعبي الناتج عن الاحتلال وإذلال قوات الاحتلال للمواطن وإهانته ونشر شبكات العملاء بين السكان. فما إن جاء حدث الدهس حتى خرجت فلسطين المحتلة إلى انتفاضة شعبية، فجرتها مظاهرات جباليا بقيادة الحركة الإسلامية، ثم بمشاركة التنظيمات الأخرى.
كانت الانتفاضة في قراءة الباحثين أول ثورة شعبية عامة وجامعة واجه فيها الشعب جيش الاحتلال بالحجارة، والصراخ، وبالشهداء والجرحى، حيث بلغ عدد الشهداء ١٥٥٠، والجرحى ٧٠ ألفًا، ولكنها تمكنت من منع الجيش ورجال الشباك من التجوال داخل المدن والمعسكرات، وحشرتهم في داخل معسكرات الجيش وداخل المستوطنات، لا سيما في قطاع غزة. وامتلأت السجون بالمعتقلين الفلسطينيين، وتحولت السجون لجامعات تعليم الوطنية والعلوم المختلفة، وخرَّجت قادة المراحل التالية، التي تقود الفصائل والعمل الوطني حاليًّا.
كانت الانتفاضة تحظى بتأييد جيد من دول العالم، ومن دول أوروبا خاصة، وكان هذا يعطي أملًا جيدًا بقرب نجاح الانتفاضة في إزالة الاحتلال من الأراضي المحتلة. ولكن المنافسة الحزبية البغيضة على منصب القيادة بين فتح وحماس، كانت نتيجتها النهائية أن قطعت فتح الطريق على الانتفاضة بمؤتمر مدريد ثم باتفاق أوسلو، ثم بإقامة السلطة التي كتبت نهاية حزينة لانتفاضة الحجارة، دون أن يحصل الشعب على ثمن جيد لتضحياته الكثيرة، وتركت أوسلو مئات من معتقلي الانتفاضة داخل السجون.
إن تتبع ثورات الفلسطينيين منذ عام ١٩٢٩م وحتى عام ٢٠٢٠م يجد أن ثورات الشعب وانتفاضاته كانت عديدة ومتوالية، ولكن لم تتمكن واحدة منها من الوصول بالشعب إلى غاياته، ومرد ذلك لأمرين:
الأول الإحباط الذاتي الراجع للقيادات الفلسطينية المتنافسة والمتخاصمة، وكان ذلك حاضرًا بقوة قيادة أمين الحسيني وقيادة عائلة النشاشيبي، وهو نموذج من الخصومة القيادية بين فتح وحماس.
والثاني راجع إلى تدخل الدول العربية بشكل محبط للعمل الفلسطيني، حصل هذا في ثورة ١٩٣٦، وفي حرب ١٩٤٨م، وفي دفع مدريد والمفاوضات مع العدو، ثم في المبادرة العربية، وفتح الطريق واسعًا أمام التطبيع، الذي شهدنا حفلاته الأخيرة بألم دونه كانت آلام الانتفاضتين: انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى.