بالقراءة الأولى، وافقت الكنيست الإسرائيلي على حل نفسها، وإن كانت هذه الخطوة بحد ذاتها لا تشير إلى قرب إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة للكنيست، إلا أن القراءة الثانية والثالثة ليست ببعيدة، وستعزز ما ذهبت إليه القراءة الأولى، ولا سيما أن المعطيات القائمة على الأرض، والتي حفزت حزب أزرق أبيض على الثورة ضد نتنياهو لن تتغير، ولن تنجح كل ألاعيب نتنياهو بلم شمل الائتلاف الحاكم، ولن تُصلِح تنازلاته ما انكسر من علاقة، فما يجري على أرض الواقع من تحولات دراماتيكية -نتائج الانتخابات الأمريكية- تفوق قدرة عصا نتنياهو السحرية في الاستمرار بتقديم نفسه ملك (إسرائيل) غير المنازع.
لقد دللت التجارب على أن العقل الإسرائيلي النفعي يُؤثِر مصلحة الدولة على مصلحة الحزب، ويفاضل بين مصلحة المجتمع على مصالح الأفراد، ولا شخصية كبيرة للمجتمع الإسرائيلي، ولا رمز يستظل بسيفه اليهود، المصلحة العليا لما يحسبونه وطنهم هي الحكم في كل خلاف، ولا يهتم الإسرائيليون بما قدم رئيس الوزراء من إنجازات، ما دام لا يضمن بقاؤه تواصل هذه الإنجازات، وهذا المنطق ينطبق على شخص نتنياهو الذي قدم للإسرائيليين الكثير من الأمن والتطور وحسن العلاقة والتطبيع مع عديد الدول العربية.
قراءة المستقبل بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي تقوم على الإدراك الدقيق للمتغيرات الدولية، ولعل أهم هذه المتغيرات هو حجم الخلاف المتوقع بين شخص رئيس الوزراء نتنياهو وبين الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة بايدن، فرئيس الوزراء نتنياهو الذي تألق مع تألق الرئيس ترامب لأربع سنوات، سيسقط مع سقوط ترامب، ولن تعجز دولة (إسرائيل) عن تقديم شخصية سياسية جديدة، قادرة على إكمال مشوار الإنجازات الذي حققه نتنياهو، دون الاصطدام مع أي من الأطراف الدولية والإقليمية، فـ(إسرائيل) تعرف أن الابتسامة العريضة التي كان يحظى بها نتنياهو من بعض الدول حين كان كوشنر مستشارًا للرئيس، لن ينالها بعد سقوط الرئيس نفسه.
وفي هذا المضمار لا يمكن تجاهل دور بعض الدول العربية والقيادة الفلسطينية، الذين استقبلوا الرئيس الأمريكي الجديد بالدعوة إلى استئناف المفاوضات كما أفادت بعض التقارير عن وساطة مصرية لترتيب لقاء تفاوضي إسرائيلي فلسطيني، وقريب من هذا جاء تصريح وزير الخارجية السعودي، وهو يعلن عن تأييد بلاده لاستئناف الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا الحوار لا يتحقق ما دام ظل نتنياهو رئيسًا للوزراء، فالمفاوضات والحوار تنتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وتنتظر رئيس وزراء إسرائيلي جديد.
ورغم أن استطلاعات الرأي داخل المجتمع الإسرائيلي تشير إلى تفوق الأحزاب اليمينية بالأغلبية المريحة في الانتخابات القادمة، ورغم الحديث عن تشكيل تكتلات حزبية جديدة يكون رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت أحد أركانها، إلا أن ذلك لا يمنع من استئناف المفاوضات، مفاوضات دون أفق سياسي، مفاوضات وحوار لأجل الحوار، وهذه هي استراتيجية الأحزاب اليمينية واليسارية في دولة عدوانية تعرف من أين تؤكل الكتف العربية.