لم تدم طويلًا فرحة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ بانتصاره اليتيم على الاحتلال الإسرائيلي وبطولته في إلزامه بالاتفاقيات، حتى اتضح أن الالتزام كان بما أقرّه الكابينت وليس السلطة.
قرر الكابينت الإسرائيلي تحويل 2.5 مليار شيكل للسلطة من أموال المقاصة، وخصم 600 مليون شيكل بدل قيمة فاتورة رواتب الأسرى لعام 2019، في واحدة من أبرز مظاهر السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وعلى السلطة نفسها.
الضابط الإسرائيلي كميل أبو ركن منسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق، ليس إبراهيم ملحم المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية الذي مارس عليه رئيس الوزراء محمد اشتية تنظيرًا على الهواء في البروتوكول واللياقة الدبلوماسية وهو يقطع حديثه ليقول له: "شيل ايديك من جيابك"، وهي أكبر من أن نجرؤ على قولها في وجه أبو ركن الذي وضع يديه في جيب شعبنا وسرقه على عين حسين الشيخ واللجنة المركزية لحركة فتح.
اكتفى اشتية بالقول إنهم "يتابعون الأمر مع إسرائيل"، كما طلب من الموظفين "الصبر لعدة أشهر"، حتى أصبحنا أمام مزاوجة جديدة في المفاهيم التي يطلقها مسؤولو السلطة بين "الصبر" و"الانتصار"، تعكس عمق الأزمة التي تعيشها السلطة ومدى سخاء مسؤوليها في تقديم دروس خاصة في ردّات الفعل العاطفية والاعتباطية.
بدأت السلطة مبكّرا تجني ثمار قرارها المتسرّع والكارثي بعودة العلاقات مع الاحتلال وإدارة الظهر للإجماع الوطني، وهذا التجرؤ الإسرائيلي على أموالنا ليس سببه سوى الامتناع والتخلي عن فكرة مواجهة هذا الصلف، وبرهان في أثناء ذلك على أن السلطة وفتح غير صادقة حتى في مطلب وفكرة المقاومة الشعبية، ورافضة من أساسه للتوافق حولها باعتبارها القاسم الوطني المشترك للنضال.
ما عاد اشتية يحتاج بعد اليوم إلى أن يطالع حظّه في فنجان قهوة؛ لأنه سيكون أمام مرحلة سياسية عصيبة وليس كما يتصوّر بعد رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وستزداد تعقيدًا مع عدم تراجع "إسرائيل" عن مخطط الضم والتهويد، وعدم تراجعها أيضًا عن الخصومات، وستبدأ حينها تطفو الخلافات الداخلية إلى السطح والسجالات بين موافق ورافض لإعادة العلاقات مع الاحتلال اليوم أو التسرّع والتفرد في قرارها، وستنشط معه قرارات الإقصاء وتهم التجنّح، ولن يكون الحلّ وقتها سوى بالعودة إلى الشعب والإجماع الوطني، وإلى حينه قد يكون الأوان قد فات.
إن السقطة التي شاهدناها للفنان المصري محمد رمضان، أصبحت هذه الأيام تعبيرًا لكل سقوط يحصل في المشهد السياسي، ومصير مجازي لكل المطبعين مع الاحتلال، حتى إنها استخدمت بذكاء لتصوير حال السلطة بعد قرار "إسرائيل" خصم 600 مليون شيكل من أموال المقاصة عقب "الانتصار" اليتيم، والدق على الصدر من الضابط أبو ركن، وهو المشهد والتصوير الأقرب إلى الواقع، مع فارق أنه بعد هذا السقوط لن يرتفع للسلطة شيء أبدًا إذا ما مسّ ذلك رواتب الشهداء والأسرى، فلا قيمة لاحقًا لأي تهديد يطلقه الرئيس أبو مازن أو من حوله، وهو الذي سبق وأن قال إن "قرصنة أموالنا هي المسمار الأخير في نعش اتفاق باريس".
واحدة من العبارات العميقة التي كتبها الأديب والكاتب الفلسطيني أدهم الشرقاوي وتطابق تمامًا حال السلطة الفلسطينية في علاقتها مع الاحتلال قوله: "على قدر الاتكاء يكون السقوط".