فلسطين أون لاين

مخرجة ناشئة بغزة

"أنسنة الاختلافات".. رجاء عايش تصل بـ"صديقي" إلى جائزة إيسيسكو

...
غزة-مريم الشوبكي:

طفل يمشي في زقاق المخيم يشاكس طفلات، يلعب "الحجلة" ويقلدهن، وصوت قهقهاتهن يهز أرجاء المخيم، ثم يكمل طريقه إلى بيت جارته يدق بابها الحديدي، تخرج برأسها من الباب ليخبرها: "بتقلك إمي بتيجي علينا بعد المغرب"، ثم يسأل عن ابنها "محمد" طالبًا منها أن تحضره معها في الزيارة.

يجتمع أطفال المخيم في بيت الطفل، انهمكوا في تعليق الأحبال الملونة على الجدران، لبسوا الطرابيش، وضعوا قالب الكيك موقعًا بـ"كل عام وأنت بخير محمد"، وفي وسطه وضعوا "صاروخًا" وشموعًا.

أرسلوا أحد الأطفال لترقب وصول محمد (مصاب بمتلازمة داون)، بصوت منخفض هتف: "أجوا أجوا"، هتفوا: "هيه هيه"، تفاجأ محمد وتعالت ضحكاته ثم بكى من الفرحة، ألبسوه "الطربوش" وهم يرددون: "Happy Birthday to You".

هذه مشاهد فيلم "صديقي" للمخرجة الشابة رجاء عايش، الذي فاز بالمركز الأول في مسابقة نظمتها منظمة العالم اﻹسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" للأفلام القصيرة، لتدعم وتقوي الروابط بين الدول الأعضاء، ومقرها الرباط.

رجاء (23 عامًا) تقطن في بلدة جباليا شمال قطاع غزة، حاصلة على بكالوريوس ترجمة لغات، تعمل معلمة لغة إنجليزية، وصانعة أفلام قصيرة، عملت مقدمة برامج إذاعية، وتتمتع بموهبة كتابة القصص القصيرة والشعر، والتعليق الصوتي لتقارير إخبارية، وأفلام كرتون.

على حين غرة علمت رجاء بالمسابقة التي شاركت فيها في حزيران (يونيو)، وخلال يومين كتبت سيناريو القصة وأخرجت الفيلم وصوره زوجها، ومدة الفيلم ثلاث دقائق و12 ثانية.

"صديقي" أول فيلم تكتبه وتخرجه رجاء وتشارك به في أول مسابقة عالمية، وتحصد المركز الأول، تقول لصحيفة "فلسطين": "اخترت فكرة إنسانية تتناسب مع ميولي وشغفي بكتابة القصص الإنسانية، التي أغدق عليها الكثير من المشاعر والدفء".

وتضيف: "اخترت اسم صديقي للفيلم، لأنه يتناول فكرة الصداقة، ويعالج قضية تقبل اختلاف الآخر، لا سيما أنني اخترت طفلًا يعاني متلازمة داون".

وعن سبب اختيارها التصوير في المخيم، تجيب رجاء: "حرصت على اختيار مكان يمثل شريحة كبيرة من الناس بقطاع غزة، فيه كمية من المشاعر الدافئة، حيث تتلاصق البيوت، ورائحة الأكل تفوح بين الأزقة، فضلًا عن جلسات الجيران وبساطتها وكمية السعادة التي تحفها وهي الصورة الأقرب للتعبير عن الفلسطينيين".

حينما تشاهد الفيلم تشعر بصدق مشاعر الممثلين فيه، لا تشعر لحظة أنهم يمثلون أدوارهم، تعاملوا كأن لا كاميرا دائرة في المكان، وفي أثناء التصوير حدثت مفاجأة.

تروي رجاء تفاصيلها: "من ظهروا في الفيلم أقارب لزوجي، ومحمد لم يكن على علم بتصوير الفيلم بل تفاجأ بالاحتفال، وتفاجأنا بأن ذكرى يوم ميلاده كانت توافق اليوم التالي لتصوير الفيلم، كان كل همنا هو تصوير ردود الفعل الطبيعية لكل الأشخاص المشاركين في الفيلم، ونجحنا في تحقيق ذلك".

وبعد الانتهاء من التصوير أطفأ فريق التصوير الكاميرات، وسهروا يشاركون محمد في الاحتفال بذكرى ميلاده، كأنها مناسبة عائلية، وهذا أحد أسباب نجاح الفيلم بالجائزة أن الاحتفال ظهر أنه حقيقي.

بعد نحو خمسة أشهر إذا هاتف رجاء يرن بمكالمة من رقم هاتف نقال مغربي، يعرفها المتصل نفسه أنه من مكتب (إيسيسكو) في المغرب، ليخبرها بفوزها بالمركز الأول، حينها صمتت رجاء لتترك دموعها تحكي فرحتها بهذا الإنجاز الكبير، لأنها نافست صناع أفلام على مستوى عالمي واستطاعت أن ترفع اسم فلسطين بينهم.

وعن سؤال: "ما الذي ميز الفيلم ليحصد هذه الجائزة؟"، تجيب: "قوة الفكرة مع البساطة، وعدم التكلف في المشاهد، والمبالغة في التمثيل، الدراما تنقل الحدث على أرض الواقع وتنقل معه رسائل بكل شفافية وبساطة وإنسانية مليئة بالحب والعفوية".

الفوز بهذه المسابقات العالمية هو تشريف لفلسطين بإحياء اسمها على كل المنابر، ولكن لرجاء أمل في كل المسؤولين بفلسطين، أن يدعموا الموهوبين ماديًّا، وبخطوات حقيقية تساعدهم في مسيرتهم.

وتطمح رجاء إلى احتراف الإخراج السينمائي عالميًّا، والعمل مع مؤسسات ودور سينما عالمية.

اختتم الفيلم بعبارة: "تتلاشى الاختلافات وتتآلف الوجوه، في حضرة الصداقات النقية"، معبرًا عن أهمية غرس معاني الصداقة الحقيقية منذ الطفولة.