خرجت أم العبد من بيتها تريد زيارة سلفتها أم عمر، وفي الطريق سلمت على جارتها مع بناتها وركبت السيارة وتحدثت مع المرأة التي تركب بجوارها دون سابق معرفة، وشكت لها أحوالها بهمس عن قرب داخل السيارة حتى لا يسمعها بقية الركاب، ثم وصلت أم العبد لبيت سلفتها وسلمت عليها بحرارة وعانقتها وجلست عندها ثلاث ساعات لتحضر "كناين" أم عمر ويسلمن على أم العبد واحدة تلو الأخرى، ثم أخذت أم العبد سلفتها لتبارك لعمتها التي زوجت ابنها في أثناء الكورونا، وتلتقي هناك بعمتها وبناتها والعروس وتقبلهن جميعاً ثم تعود أم العبد آخر النهار لبيتها وتجاور امرأة أخرى في السيارة، وفي صباح اليوم التالي تخرج نتائج فحوصات الكورونا ليكون اسم أم العبد ضمن المصابين حيث أخذت مسحة قبل يومين دون أن تخبر أحدا ومارست حياتها طبيعيا لتنقل العدوى لعشرات المخالطين لها.
هذا المشهد يحدث يومياً في قطاع غزة الذي يعد الأكثر اكتظاظاً بعدد السكان على مستوى العالم، وهو السبب الأبرز في تفشي الوباء بهذه الصورة التي فاقت جميع دول العالم.
ومن صور تفشي الوباء صاحب البقالة أبو محمود الذي خالط جميع سكان الحارة وباعهم احتياجاتهم اليومية طول النهار ليتم اكتشاف إصابته بفايروس كورونا.
عدا عن أبو سعيد الذي يبيع الخضراوات على عربة يجرها الحمار "أجلّكم الله" ويطوف شوارع وأزقة المخيم طول النهار ويخالط الجميع ليعرف بعدها أنه مصاب وأن نتيجته إيجابية دون أن يلتزم بيته ويعزل نفسه بعد أخذ مسحة منه.
وبائع الكعك الذي يصر على الاستمرار في عمله رغم حمله الفايروس، وخروج أبناء أبو فخري من الباب الخلفي لبيتهم لقضاء احتياجاتهم وتنفس الهواء كما يقولون وذلك لأن الشرطة تجلس أمام باب البيت الرئيس وتمنعهم من الخروج كونهم مخالطين.
هذه بعض المشاهد اليومية التي تحدث في قطاعنا الحبيب لتكون السبب الأهم وراء انتشار الفايروس بهذا الشكل.
فوعي المواطن هو كلمة السر وراء محاربة الوباء والحد من انتشاره، لأن المنظومة الحكومية والمتمثلة بوزارتي الصحة والداخلية قد استنفدتا طاقتيهما وإمكاناتهما في مكافحة الوباء دون أثر واضح والسبب بالتأكيد هو مدى التزام المواطن بإجراءات السلامة التي تعد السلاح الأقوى للقضاء على الفايروس.