فلسطين أون لاين

​والدتهم لطيفة الناجي تعيش تجربة الاضراب

الأشقاء الأسرى في عائلة أبو حميد لكلٍ منهم حكاية

...
الأشقاء الأسرى أبو حميد مع والدتهم (أرشيف)
غزة - يحيى اليعقوبي

على إحدى نقاط العبور بين الأردن والضفة الغربية، أوقفَ ضابط الاحتلال المتعجرف، الفتى رائد أبو حميد، الذي لم يرَ والده الأسير منذ 15 عاما، محاولاً استفزازه بسؤالٍ فيما إذا كان يعرف السبب الذي أدى إلى اعتقال أبيه.

لم ينتظر من الفتى إجابة؛ بل سارع هو إلى تقديمها بقوله: "ننتظرك حتى تكبر كي تنضم لوالدك في السجن"، فيما كان رائد يشتعل غضباً لكنه حاول أن يخفيه قدر المستطاع؛ قائلاً: "لا يهمني؛ سأضحي مثلما ضحى والدي".

في مدينة رام الله حكايةٌ كتبها أربعةُ أشقاء أسرى وخامسهم شهيد، الذين ورثوا حبهم للوطن عن والديهم، حيث استمروا بالتضحية بالرغم من هدم الاحتلال لمنزلهم مرتين، لكنهم من بين ركام بيتهم استجمعوا أنفسهم وواصلوا الطريق؛ لقد اختلفت قصة كل واحد منهم خلف القضبان ولكنهم في المعاناة حتماً متشابهون.

نصر أبو حميد وهو والد ذلك الفتى، محكوم بالسجن 5 مؤبدات أمضى منها 25 عاما؛ وذلك بتهمة التخطيط لعمليات استشهادية وحيازة أسلحة ومقاومة الاحتلال؛ أما إخوته فهم الأسير ناصر أبو حميد وهو محكومٌ 7 مؤبدات أمضى منها 27 عاما، والأخ الثالث شريف محكوم 4 مؤبدات أمضى منها 24 عاما، والرابع واسمه محمد محكوم مؤبدين و30 عاما، أمضى منها 15 عاما، واعتقل الاحتلال الأربعة معاً في المرة الأخيرة عام 2002م.

والدة الأسرى الحاجة لطيفة الناجي (70 عاما)؛ تعيش تجربة أبنائها الذين يخوضون إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على إجراءات الاحتلال التعسفية بحق الأسرى، بدأت الإضراب منذ أكثر من أسبوعين، ورغم التعب والإجهاد الذي تعاني منه إلا أنها ما زالت قوية.

تقول: "أنا أم لأربعة أسرى محكومين مدى الحياة ومن واجبي الوقوف مع أبنائي؛ إلا أنها ونتيجة التعب الشديد نقلت الناجي المضربة عن الطعام، قبل أيام، إلى مجمع فلسطين الطبي برام الله لتردي حالتها الصحية.

وخلف بطولة الأبناء سر، لا تخفي الناجي الحديث عنه، لصحيفة "فلسطين" بأن زوجها منذ صغره كان يقاوم الاحتلال بأي وسيلةٍ امتلكها، وعندما رزق بالأبناء شجعهم على المقاومة، حتى أن (اسرائيل) اعتقلته مرتين رغم كبر سنه، وهكذا كان الأب الذي توفي قبل عامين قدوة لأبنائه في المقاومة، مكملة: " كان مريضاً وحرمه الاحتلال من رؤيتهم باستثناء مرة واحدة".

الدرب ذاته

حكاية ناصر (42 عاما) مع المقاومة بدأت حينما كان يبلغ 12 عاما، وبنبرة صوتٍ مُجهدة من الإضراب، تكمل الناجي: "ناصر كان أصغر طفل فلسطيني يعتقل بالانتفاضة الأولى بتهمة إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال".

ولم يختلف حال شريف (34 عاما) عن بقية إخوته، فقد اعتقله الاحتلال وعمره 14 عاما في تسعينيات القرن الماضي؛ رغم أنه كان مريضاً ويعاني من ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم بتهمة إلقاء الحجارة، وحكم عليه بالسجن 9 سنوات وبعد عامٍ من الإفراج عنه اعتقله الاحتلال عام 2002م وحكم عليه بالسجن أربعة مؤبدات".

وبنفس الطريقة، كتب الشهيد القسامي عبد المنعم قصةً أخرى في البطولة ومقاومة الاحتلال، واستشهد وفق والدته، عام 1994م حينما قامت قوات خاصة إسرائيلية باغتياله بعد مطاردة استمرت عدة أشهر، بتهمة تنفيذ عملية اغتيال لأحد ضباط الشاباك الإسرائيلي في المنطقة الصناعية القديمة بالقرب من قرية بيتونيا جنوب رام الله.

وتبدي فخرها بنجلها الشهيد: "تفاجأت بــالعملية التي نفذها عبد المنعم؛ لم يظهر عليه أي أمر يثير الشك، كان ابني خلوقاً حافظاً للقرآن الكريم، سُجن بالانتفاضة الأولى، ثم التحقَ بكلية الآداب بجامعة بيرزيت".

وكان الإخوة قدوة لشقيقهم الصغير محمد (29عاما)، الذي تبعهم على ذات الدرب ومشى بين أشواك الصبر وعتمة السجن، إذ اعتقله الاحتلال حينما كان يبلغ من العمر 19 سنة، تذكر طفلها المدلل بالنسبة لها بالقول: "كان محمد قريباً مني جدًا لأنه أصغر إخوته ".

لا ندم على ما فعلت

أما نصر ( 40عاما) فهو الوحيد المُتزوج من إخوته، صحيفة " فلسطين " فتحت شُرفة الذكريات مع زوجته آلاء الناجي، فقد كان اعتقاله الأول إبان الانتفاضة الاولى لمدة عشر سنوات، وأُفرج عنه عام 1999، وبعد خروجه تزوج ورزق بابنه رائد، ثم أعاد الاحتلال اعتقاله عام 2002 وحكم بالسجن 5 مؤبدات.

بنبرةٍ ممزوجة بين الحسرة والفخر قالت لصحيفة " فلسطين": "بعد شهرين على انطلاق شرارة انتفاضة الأقصى، رفض نصر أن يقعد على غرار الكثيرين، وأمسك سلاحه وخرج ليقاوم".

كان نصر دائماً ما يقول لزوجته: "بديش ابني يكبر ويلاقيهم؛ الاحتلال لازم يزول"؛ فقد ظلَّ مطارداً من قبل قوات الاحتلال، التي كانت تبحث عنه في كل مكان إلى أن اعتقلته عام 2002، كان يود الضابط الذي أمسك به لو أنه يقتله على الفور.

وتمنع سلطات الاحتلال ابنَيْ نصر؛ وهما رائد ( 16 عاما) وعائد ( 15 عاما)، من زيارة والدهما، فيما تطول المدة حتى يُسمح لزوجته بزيارته.

وتتذكر الناجي موقفاً مؤثراً: "بعد إصدار الاحتلال حكم المؤبد على الأشقاء الأربعة عام 2003م، باغتت قوات إسرائيلية معززة بيت عائلة أبو حميد، فقال أحد الضباط لوالد الأسرى: " نريد أن نهدم البيت لأن أبناءك مخربون"، حينها رد عليهم بإجابةٍ ممزوجةٍ بالثبات: "ذهب الأولاد فلن أحزن على البيت؛ افعل ما تشاء".

وحين طلبت المرأة من زوجها عمل استئناف للمحكمة بعد صدور حكم بخمس مؤبدات في حقه: "لا أندم على ما فعلته، ولا أريد أن أقف أمام محكمةٍ لا أعترف بها أو أتوسل إليهم حتى يخفّضوا لي مؤبداً واحداً؛ سأبقى فخورا بمقاومتي للاحتلال وواثقا بالحرية والفرج إن شاء الله".