زار وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إسرائيل، في الأسبوع الماضي، ولعلها تكون زيارته الأخيرة لها قبل رحيل إدارة الرئيس دونالد ترامب. لذا لم يفوّت الفرصة كي يضع بصمته عليها، ويقدّم لإسرائيل ما لم يقدّمه أي وزير خارجية أمريكي قبله. فقد زار بومبيو مستوطنة شاعر بنيامين في الضفة الغربية، ومصنعا لإنتاج النبيذ فيها، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكذلك في تاريخ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، فلم يقم أي وزير خارجية أمريكي من قبل بزيارة المستوطنات الإسرائيلية.
كذلك زار بومبيو هضبة الجولان المحتلة، وهي أيضا الزيارة الأولى لوزير خارجية أمريكي للهضبة المحتلة منذ عام 1967.
ولم تتوقف هدايا بومبيو لإسرائيل عند هذه الزيارات، بل طالب بومبيو بالتعامل مع السلع والبضائع التي تُنتج في الضفة الغربية باعتبارها منتجات إسرائيلية، وطالب بوضع شعار "صُنع في إسرائيل" عليها، في انتهاك غير مسبوق، ليس فقط للقانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، ولكن أيضا لقرارات الإدارات الأمريكية السابقة التي رفضت الأمر، واعتبرته انتهاكاً للقانون الدولي.
الأكثر منذ ذلك، إعلان بومبيو المثير للجدل باعتبار حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) معادية للسامية، وذلك من أجل وقف نشاطها ودعمها الدولي المتزايد.
واقع الأمر أن ما قدَّمه بومبيو لإسرائيل ليس فقط في زيارته هذه لها، ولكنه منذ توليه وزارة الخارجية الأمريكية قبل أكثر من عامين ونصف العام، يتجاوز دوره وزير خارجية أجنبيًّا، إلى الدرجة التي يمكن أن نعدُّه وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي وليس أمريكا، فالرجل يبدو حريصًا على تحقيق مصالح تل أبيب أكثر من مصالح بلاده. ولا تُنسى زياراته المكوكية في الشهور الثلاثة الماضية للتعجيل بالتطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان.
وهو ما يثير السؤال: لماذا يفعل بومبيو هذا كله؟ وهل الأمر يحمل دلالات عقائدية أم سياسية؟ وهو سؤال يدفع إلى التنقيب قليلاً في تاريخ بومبيو، فالرجل إنجيلي متدين، ينتمي لتيار المسيحية الصهيونية الذي يؤمن بضرورة دعم إسرائيل من أجل تحقيق النبوءة الدينية (أرمجيدون).
وقد اعتبر، في حوار له، في إحدى زياراته إسرائيل عام 2019، أن ترامب هو مبعوث العناية الإلهية من أجل حماية إسرائيل ودعمها! ولا يتوقف بومبيو عن استحضار عقيدته والتزامه الديني في مناسباتٍ كثيرة، بما فيها نشاطه السياسي والدبلوماسي. بل يعتبر ذلك مصدر فخر واعتزاز.
وقد قال، في أحد الحوارات مع صحيفة نيويورك تايمز، إن الإنجيل يخبره بكل ما يجب فعله. وعلى عكس ما يقول بعضهم عن علمانية السياسة الخارجية الأمريكية، يؤكد سلوك بومبيو، وتصريحاته المختلفة فيما يتعلق بدور الدين وتأثيره في قراراته وسياساته، عكس ذلك. أما اللافت فهو تعصب بومبيو وكراهيته تجاه المسلمين، خصوصا مسلمي أمريكا والتشكيك في ولائهم للبلاد.
وسياسياً، يستخدم بومبيو إيمانه المسيحي، ودعمه اللامحدود لإسرائيل، من أجل إرضاء القاعدة الإنجيلية الأمريكية، وهي قاعدة تصويتية مهمة لأي شخص يطمح إلى الوصول إلى البيت الأبيض. وقد صوّتت بكثافة لترامب في انتخابات عامي 2016 و2020. وهذا تحديداً ما يسعى إليه بومبيو، حيث تتحدث تقارير إخبارية عديدة عن رغبته في الترشّح للانتخابات الرئاسية في عام 2024 عن الحزب الجمهوري. وهو يدرك جيداً أنه لا يمكن الحصول على دعم القاعدة المسيحية الإنجيلية من دون إظهار دعمه اللامحدود لإسرائيل، ولو على حساب ليس فقط الفلسطينيين، ولكن على حساب مصالح أمريكا، وهذا هو الأخطر.
وحقيقة الأمر، لم يحدث أن تصرّف وزير خارجية أمريكي بالطريقة التي يتصرّف بها بومبيو تجاه إسرائيل، فالرجل لا يخفي إعجابه ودعمه لها. بل لا يخجل من أن يخلط الديني بالسياسي في تصريحاته وأنشطته الدبلوماسية. وعلى ما يبدو، كان تعيين ترامب بالأساس لهذا السبب، فترامب لا يتوقف عن استخدام كل الأساليب من أجل الحصول على دعم الإنجيليين واليمين الديني المتشدّد في أمريكا. أما المدهش فهو دعم هؤلاء لترامب، على الرغم من سلوكه الشخصي المشين، سواء مغامراته النسوية أو أكاذيبه السياسية أو فساده المالي والاقتصادي وتهرّبه الضريبي. لذا إذا حدث ووصل بومبيو إلى السلطة، في 2024 أو بعدها، فسوف نكون أمام نكبة جديدة أسوأ بمراحل من نكبة ترامب وكوارثه في السنوات الأربع الماضية.