فلسطين أون لاين

يتخفّى "بلباس الطبيعة".. هكذا يرصد "دراغمة" الحياة البرية

...
غزة/ هدى الدلو:

لساعات قد تطول أو تقصر يتخفى الهاوي محمد دراغمة بزي الطبيعة مترصدًا الطيور والحيوانات البرية ليلتقط لها صورًا إبداعية للحياة البرية التي شق طريقها قبل أربعة أعوام، فضمت جعبته زخما من المعلومات حول الطيور المقيمة والمهاجرة وبعض الحيوانات والنباتات الطبيعية والبرية، ليحصد المركز الأول على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة في مسابقة التصوير الفوتوغرافي بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الحيوي "صوِّرْ، واكتشِفْ، واحمِ".

دراغمة (37 عامًا)، يقطن في مدينة طوباس بالضفة الغربية المحتلة، ويهوى تصوير الطبيعة منذ الصغر، ويعد العين السلاح الذي يوثق ما تلتقطه الكاميرا، فبدأ بكاميرا الهاتف النقال، ومن ثم الكاميرا ذات العدسة المقربة ( كانون باور شوت) التي تستخدم عادة للهواة، بعدها اقتنى آلة تصوير احترافية.

وترصد عدسة دراغمة يوميا أنواعا جديدة من الطيور، وأخرى لحيوانات، ونباتات منها ما هو مهدد بالانقراض، معتمدا على كتاب "طيور الشرق الأوسط" في معرفة أنواع التنوع الحيوي في فلسطين.

ويقول لصحيفة فلسطين: "منذ الصغر اكتشفت موهبتي بالتصوير الفوتوغرافي، حيث كنت أستحوذ على كاميرا العائلة وألتقط أي مشهد للطبيعة، حتى بت أحد الهواة في تصوير الحياة البرية".

ويضيف: "تخصصت في تصوير الطيور والحيوانات والطبيعة الجميلة، وأحرص على توثقيها، فالترصد وملاحقة الطيور صعبا المنال، ويحتاجان إلى صبر ومراقبة وطول نفس، وأحيانا أنتظر قرابة ساعتين أو أكثر لأجل صورة طائر واحدة، وإذا أردت التقاط حركة لطائر معين أحتاج لوقت أطول".

بالخبرة والممارسة الدائمة طور موهبته في التصوير، حتى وصل دراغمة لمرحلة تصنيف الطيور من خلال سماع صوتها، ويميز بينها أنها طيور مقيمة في فلسطين أو زائرة ومهاجرة.

ويرجع أسباب توجهه لتصوير الحياة البرية إظهار التنوع والجمال المخفي والمجهول في البيئة الفلسطينية التي يسعى الاحتلال إلى سلبها، فبكاميراته يتمكن من نقل أنواع الطيور للعالم باسم فلسطين.

ويتابع: "إلى جانب حبي لاكتشاف هذا العالم، وخوض غماره أعرف طبيعة التنوع الموجود في الطيور والحيوانات والنباتات من باب حب المعرفة الاستكشاف".

عدم إدراك البعض لأهمية الحياة البرية، والصيد الجائر في فلسطين أيقظ حس المسئولية لديه –كما يقول- "فمن واجبي كمصور حياة برية أن أوعِّي تلك الفئة من الناس من خلال التوثيق والتصوير، وتعزيز مبدأ الحفاظ على هذا الكنز لضمان التوزان البيئي، حيث أنشر على صفحتي عبر موقع التواصل الاجتماعي وصفحات أخرى مواقع عالمية باسم فلسطين باستمرار عن الطيور والحيوانات وأكتب بعض المعلومات عنها وكيفية الحفاظ عليها". ونشرت مجلة جيوغرافيك أبوظبي إحدى صوره.

ويشير إلى أنه يوثق الصورة بالاسم العلمي للطائر وتبيان إذا كان مقيما أو مهاجرا، ومهددا بالانقراض، ويرجع إلى بعض المختصين في علم الطيور ليستفيد منهم ويتبادل معهم الخبرات.

ومن منظوره وعدسته يرى أن هناك اختلافًا بين التصوير العادي عن الحياة البرية، فالأخيرة ليست بالسهلة، بل من أصعب أنواع التصوير، حيث يتطلب تصويرها معدات متقدمة ومرتفعة الثمن، وكذلك السفر والحركة في الجبال والأماكن البرية المفتوحة لمجابهة الحيوانات والطيور بشكل مباشر، كما أن المصور "بحاجة للحظ" حتى يلتقط صورة جميلة لحيوان أو طائر.

ويتحدث دراغمة عن أن تصوير الحياة البرية في الأغوار الشمالية بالذات تعد مغامرة وجهادا، بسبب الاحتلال الذي يمنعه من نقل الجمال الحقيقي للأرض، والتعرف إلى الكنز الموجود.

ولكن، مغامراته هي الشيء الجميل في التصوير، فيترصد لحيوان ما أو طائر في الصباح الباكر، ويسبق ذلك بأيام دراسة لوجوده، كتتبعه غزال الجبل الفلسطيني وبعض الحيوانات البرية قليلة المشاهدة كالضبع المخطط والذئب العربي التي تحتاج لتخطيط وتفكير عميق لتصويرها، وقد استغرق انتظاره لها يوما كاملًا لحساسيتها وحاجتها لتركها على طبيعتها حتى لا تشعر بوجود شخص يراقبها، "لكنه أمر شيق ومتعب أيضًا".

زوج لطائر الوروار الأوروبي وهو مهاجر ومفرخ صيفا في فلسطين، تلك الصورة التي حازت على المركز الأول، لم يكن يتوقع الفوز، ولكنه شعر حينها بقيمة تعبه وجهده.

حاز على المركز الثاني في مسابقة تابعة لجمعية الحياة البرية عن الزهرة الوطنية، وشارك في كتب وكتيبات عن الحياة البرية.

وأصعب مغامرة خاضها كانت في أثناء تصويره في منطقة عين الساكوت بالأغوار الشمالية، وهي تتميز بالتنوع الحيوي وحركة الطيور والحيوانات.

ويتابع دراغمة سرد قصته: "كنت أتخفى بلبس الطبيعة، مبرقع قريب من اللباس العسكري، شاهده جنود الاحتلال وهو يحمل كاميرا كبيرة، كادوا يعتقلونني إلا أني أنقذت نفسي بالشرح باللغة الانجليزية بأني مصور حياة برية، ويوثق صورا لطيور وحيوانات".

أما مخاطر التصوير البري فتتمثل لدى دراغمة في الطبيعة التي تقف أمامك، فإذا لم يكن للمصور علم بتضاريس المكان، خاصة أنه يحمل كاميرا يزيد وزنها على ثلاثة كيلوجرامات، والاحتلال يعد أكبر عائق أمام مصوري الحياة البرية، فيحاول أن يعطل مسيرهم، ويخفي عليهم المحميات الطبيعية ويضعها باسمه أو مناطق عسكرية مغلقة فيمنع التصوير والاستكشاف والتنزه فيها.

وبلغ عدد الطيور التي وثقها 148 طائرا بين مقيم ومهاجر، مبينا أن ذلك "عدد ممتاز" لأي مصور حياة برية فليس من السهل الوصول لهذا العدد.

ويوجه رسالة للمجتمع بضرورة الحفاظ على الطبيعة والبيئة المحيطة لأنها كنز، ويطمح بتوثيق جميع الطيور والحيوانات الموجودة في فلسطين، وينقلها للعالم ليظهر فيها جمال الوطن وتنوعها.