اثنتا عشرة دقيقة نزفت خلالها حتى لم تعد قادرةً على رؤية ما أصابها من خراب وقصف، وسرعان ما عادت لها الحياة؛ نهضت لتشهد على الجريمة الصهيونية النكراء، وواصلت مسيرتها لأربعة عشر عاما من العطاء.
قناة الأقصى الفضائية... عين الحقيقة، فقد شاهدت وسجلت ونشرت وعرَّت الاحتلال ودونت وقائع جرائمه بحق شعبنا بكل تفاصيلها، فعزم هذا العدو على إسكاتها بسبعة صواريخ لتطفئ نورها، لتكون عبرةً لكل من يتجاسر على الاقتراب أكثر من الحقيقة، بيد أنّ الحقيقة التي أراد لها الاحتلال أن تختفي خلف ستار العتمة سرعان ما أطلّت أكثر سطوعاً رغم الألم، وأكثر بريقاً رغم القصف، أطلت عبر مرجٍ من العيون التي تضامنت مع القناة لتبقى أيقونةً للإعلام المقاوم.
هنا قناة الأقصى الفضائية، صخب ملأ الفضاء الإعلامي هكذا غردت الفضائيات والإذاعات الفلسطينية، بعد ثوان معدودات من القصف الصهيوني الغاشم الذي استهدفها قبل عامين فدمر حجارتها وأثاثها لكنه لم يمس كبرياءها وعزيمتها على المضي قدما في بث الحقيقة، نهضت واستمرت حتى لا تنقطع رسالتها عن العالم، وحتى يبقى صوتها مدويا في أرجاء المعمورة، يتنقل بين الناس، ينقل لهم الوجع والألم والأمل والمقاومة، ويروي لهم حكايات شعبنا الفلسطيني مع عدوه، فكانت اللطمة الكبيرة للاحتلال الذي اعتقد واهما أن صوت فلسطين قد خفت للحظة.
تحتفل عين الحقيقة بالذكرى السنوية الرابعة عشرة لتأسيسها في نوفمبر 2006م، وقبل أيام أحيت القناة الذكرى الثانية لقصف مقراتها، لتبقى القناة على مدار السنوات المتواصلة أيقونةً للإعلام المقاوم وشوكة في حلق الاحتلال في دحض روايته الكاذبة وفضح جرائمه أمام العالم.
مثلت القناة خلال هذه الأعوام نموذجا راقيا للتطور الفني الكبير على مستوى الأخبار والبرامج والدراما وأسهمت في صياغة الذوق الفني الراقي لدى جمهورها، ووظفته لخدمة القضية الفلسطينية، كما حافظت على الامتداد التاريخي الحقيقي للأمتين العربية والإسلامية بتميز وإبداع إعلامي.
لقد أبدعت الأقصى في العمل الدراميّ الذي أعاد المشاهدين للقضايا السياسية والوطنية والاجتماعية التي تحاكي واقع شعبنا وتسلط الضوء على الثوابت الفلسطينية، وهي بذلك وفرت بديلا دراميا بثوب نقي يتّسم بالأخلاق، ويحافظ على المبادئ الإسلامية، ويشكل نموذجا فريدا في ظل التعتيم الإعلامي على كل ما يحمل هوية وثقافة المقاومة.
حافظت قناة الأقصى منذ تأسيسها على المرتبة الأولى فلسطينيًا في تصنيف القنوات الفضائية المتابعة للقضية الفلسطينية من حيث عدد مشاهديها حسب الدراسات ونتائج استطلاعات الرأي المتعددة.
لذلك بقيت فضائية الأقصى في مرمى نيران الاستهداف الصهيوني الذي كان يراها متقدمة في المواجهة بالصوت والصورة وقوة الرسالة الإعلامية التي تحمل التوجيه والتحريض باعتبارها رأس الحربة في الإعلام المقاوم، الأمر الذي دفع (إسرائيل) إلى قصف مقرها أربع مرات في جولات التصعيد وفي كل معركة له مع المقاومة في غزة؛ خلال مسيرة القناة على مدار أربعة عشر عاما من العمل الإعلامي المتواصل قاصدا إخراس صوتها.
تمر الأعوام متلاحقة ونحتفل فيها بذكرى تأسيس القناة ونحيي ذكريات من الألم بسبب قصف مقرات القناة والملاحقة المتواصلة ونودع أربعة من زملائنا شهداء، ورغم القصف والملاحقة وقلة الإمكانات؛ تعود عين الحقيقة كالجبل الأشم راسخة في مبادئها بليغة في رسالتها، صلبة العود قوية الشكيمة، حكايتها بالصوت والصورة تصدح في كل مكان، تنجح باقتدار في نشر رسالتها الإعلامية المواجِهَة لسياسة الاحتلال (الإسرائيلي) وتسقط مخططه الرامي لإخراس كل صوت حرٍّ.