وافقت أمس الذكرى الثامنة لاغتيال الشهيد القائد أحمد الجعبري "أبو محمد" نائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، هذا الشهيد وغيره من الشهداء يستحقون أن نخلد ذكراهم للأجيال، فما قاموا به من أجل فلسطين يستحق أن نقف عنده، لا سيما أن من نتائج اغتيال الشهيد الجعبري اندلعت الحرب الاستكشافية الأولى (حجارة السجيل) لأهم متغير حصل في منطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت وهي ما بات يعرف بثورات الربيع العربي.
أولاً: بطولات الشهيد أحمد الجعبري.
ولد أحمد الجعبري بتاريخ 4/12/1960م، واستشهد بتاريخ 14/12/2012م، في عملية اغتيال جبانة وسط مدينة غزة، وتقلد منصب نائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، حيث ساهم بشكل كبير في الانتقال بالجناح المسلح لحركة حماس من مجموعات مسلحة إلى جيش يحاكي الجيوش النظامية في الدول، وهذا يعتبر أهم إنجاز يسجل للرجل على المستوى الاستراتيجي، ولكن هناك عمل بطولي يسجل للرجل وهو إدارة ملف التفاوض في صفقة وفاء الأحرار والتي بموجبها تم الافراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي جلعاد شاليط، وللتاريخ أكتب، لو لم يكن الشهيد أحمد الجعبري مسئولاً عن ملف التفاوض لما نجحت المقاومة بالإفراج عن هذا العدد، وهذا التنوع الذي شمل أشكالاً متعددة، حيث شملت الصفقة أسرى من كافة فصائل العمل الوطني، ومن كافة أماكن التواجد الفلسطيني، بالإضافة إلى أسرى عرب.
ثانياً: حرب حجارة السجيل الاستكشافية.
رغم قصر مدتها إلا أن حرب حجارة السجيل التي اندلعت يوم 14/11/2012م وانتهت في تاريخ 21/11/2012م، تعتبر حرب استكشافية فاحصة من قبل "إسرائيل" والمجتمع الدولي لطبيعة المتغيرات التي شهدتها المنطقة وتحديداً انعكاسات التحول الديمقراطي الذي حصل في أكبر دولة عربية وهي مصر، ووصول جماعة الاخوان المسلمون ممثلين بالرئيس محمد مرسي لسدة الحكم، وكذلك محاولة "إسرائيل" فحص قدرات المقاومة ومدى تطورها بعد أربع سنوات من حرب العصف المأكول ومدى احتضان الشعب الفلسطيني للمقاومة.
بدأت شرارة الحرب بعد اغتيال نائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام أحمد الجعبري، ذلك الرجل الذي ارتبطت صورته لدى الوعي العام الصهيوني وهو يجر الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط في صورة مزدوجة تدمج بين القوة والكبرياء وبين الانسانية، فأراد نتانياهو بحقده قتل هذه الصورة باغتيال صاحبها، إلا أن الرد من قبل المقاومة الفلسطينية لم يكن متوقعاً من أحد.
سيقف التاريخ طويلًا أمام حرب حجارة السجيل كونها أحدثت تحولات كبرى في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، ورسخت لقواعد اشتباك جديدة، وفي ذكراها الثامنة لا بد من الوقوف على أهم التحولات الإستراتيجية التي رسختها حرب حجارة السجيل؛ فهناك خمسة تحولات استراتيجية ظهرت في قدرات المقاومة الفلسطينية وهي:
- ضرب تل الربيع بصاروخي (75m) و(فجر5).
- إطلاق صاروخ أرض جو باتجاه طائرة حربية من طراز (إف 16)، وإطلاق صاروخ (كورنيت) على بارجة بحرية.
- إسقاط طائرة استطلاع في عملية تكنولوجية والحصول عليها.
- القدرة الأمنية الخارقة في الحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها.
- المساهمة بوقف (سيناريو) توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران.
أولًا: ضرب تل الربيع بصاروخي (75m) و(فجر5)
استهداف كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس مدينة تل الربيع بصاروخي (75m) و(فجر5) هو التحول الأبرز والأكثر إيلامًا للحكومة الصهيونية؛ كون تل الربيع تمثل صمام الأمان للجبهة الداخلية، ولأن أكثر من ثلاثة ملايين صهيوني أصبحوا في مرمى النار، وعملية ضرب تل الربيع والمدن المجاورة لحدود غزة تسببت في عملية نزوح جماعي نحو شمال فلسطين، تجاوز عدد النازحين فيها نصف مليون إسرائيلي، وهذا لم تكن الجبهة الداخلية الصهيونية تتوقع حدوثه، فلم تضع خطة للاستيعاب، إضافة إلى عدم التجانس المجتمعي بين النازحين وسكان الشمال والوسط.
ثانيًا: إطلاق صاروخ "أرض جو" باتجاه طائرة حربية من طراز (إف 16)، وإطلاق صاروخ (كورنيت) على بارجة بحرية.
ترتكز قوة جيش الاحتلال على ركيزتين، هما: القوة الجوية والقوة البحرية، ويشكل إطلاق كتائب القسام صاروخ "أرض جو" على طائرة حربية من نوع (إف 16) تهديدًا مباشرًا للقوة الجوية، وقدرتها على العمل في أجواء قطاع غزة المحرر، وربما ما يخشاه الاحتلال هو تمكن المقاومة من إسقاط طائرة مقاتلة، وأسر الطيار الذي يقودها، وهذا سيكون بمنزلة زلزال سياسي سيهز الكيان العبري، وسيقضي على مستقبل نتانياهو، وسنكون أمام مشهد صفقة جديدة لتبادل الأسرى قد تقضي على إنجاز الاحتلال في اغتيال الجعبري؛ لأن من يقود عملية المفاوضات وإدارة الصفقة الجديدة هو فكر أحمد الجعبري الذي يحمله تلاميذه الذين تخرجوا في مدرسة الجعبري للعلوم الأمنية والعسكرية.
أما قصف القسام للبارجة البحرية وقتل من كان على متنها فسيقوض إلى حد بعيد القوة البحرية، وهذا بات واضحًا في بحر غزة، حيث تغيب البوارج البحرية عن الأنظار، بعد أن كانت تقترب من شواطئ غزة وقتما تشاء، وربما حادثة اقتراب زورق إسرائيلي من شواطئ غزة قبل عدة شهور من باب استطلاع الجهوزية للقوة البحرية للمقاومة الفلسطينية.
ثالثًا: إسقاط طائرة استطلاع في عملية تكنولوجية والحصول عليها
تمكن الجناح المسلح لحركة حماس كتائب الشهيد عز الدين القسام من إسقاط طائرة استطلاع باختراق منظومتها، والسيطرة عليها؛ يشكل ضربة استراتيجية للصناعات العسكرية الصهيونية، التي لطالما تباهت في قدرة تلك الطائرات، ولذلك ساهمت هذه العملية في إلغاء بعض الدول لصفقاتها مع الاحتلال لشراء هذا الأنموذج من الطائرات، وهذا سينعكس على الاقتصاد الصهيوني، الذي وصلت خسائره في الساعات الأولى لعدوانه إلى ثلاثة مليارات شيكل.
رابعًا: القدرة الأمنية الخارقة في الحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها
نجحت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الفلسطينية بقطاع غزة تساندها أجهزة استخبارات فصائل المقاومة في الحفاظ على صلابة، ووحدة الجبهة الداخلية من أي اختراقات صهيونية، وصولًا إلى ضبط أسواق القطاع، والحفاظ عليها من أي عمليات احتكار لبعض التجار الذين يستغلون مثل تلك الظروف.
خامسًا: المساهمة بوقف (سيناريو) توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران
ما قبل حرب حجارة السجيل نشرت العديد من وسائل الإعلام الصهيونية معلومات عن اتخاذ الكيان العبري قرار الحرب على مشروع إيران النووي، ولو نجح الكيان في حرب حجارة السجيل حسب (السيناريو) المتوقع، والمتمثل باغتيال الجعبري ثم الوصول إلى تهدئة فورية مع حماس؛ لدخل قرار الحرب على إيران حيز التنفيذ، ولكن جاء رد المقاومة ليخلط أوراق المطبخ السياسي والعسكري الصهيوني، إذ عكست الحرب هشاشة القدرة العسكرية الدفاعية والجبهة الداخلية، وفشل منظومة القبة الحديدية، وكان هذا مع قدرات قطاع غزة المتواضعة؛ فماذا لو كانت الردود من إيران؟!
خلاصة القول: من أبرز الرسائل التي تحملها تلك الحرب المجيدة هو أن قطاع غزة البوابة الأولى للدفاع عن الأمن القومي العربي والإسلامي، وأن زيادة الدعم لفصائل المقاومة الفلسطينية تمثل مصلحة استراتيجية لتلك الدول.