فلسطين أون لاين

أزاحت الستار لـ"فلسطين" عن "نقطة التغيير" التي أوصلتها للائحة الـ"60 امرأة"

"رنا زيادة".. ابنة غزة تحجز مقعدًا في قائمة "الملهمات" حول العالم

...
غزة- يحيى اليعقوبي:

المتميزون دومًا مختلفون عن الآخرين، حتى وهم يطلون من شرفة الإبداع نحو بساتين النجاح، فيزهر فيهم الأمل، يرون حلمًا لا جذور فيه، تتفتح فيهم إرادةٌ تستمد دفئًا من وهج تحدٍّ يشرق في قلوبٍ تعشق تسلق قمم "التفوق"، بعد كدٍ وعناءٍ وجد واجتهاد، فيحصدون غرسهم ويقطفون ثماره، وهكذا كانت ابنة قطاع غزة المحاصر المعلمة رنا زيادة، فقد حجزت مقعدًا لها في قائمة "الملهمات" حول العالم بين ٦٠ امرأة فقط تضم رئيسات وشخصيات من "صاحبات المقامات الرفيعة"، إلا أن مقامها المعرفي لا يقل تأثيرًا عنهن.

١١ أكتوبر/ تشرين أول، بريد إلكتروني وصلها لا زالت تجهل مصدره، تقرأ بكل اتساع عينيها نصه، " تقديرًا لأعمالك التي قمت بها، من خلال تمكينك للفتيات، وعملك كمعلمة في الغرفة الصفية ودعمك لأطفال من قطاع غزة خارج غرفتك الصفية، تم اختيارك لتكوني المرأة الملهمة على مستوى العالم عن مجال التعليم"، كتمت فرحة سرعان ما دوى صداها بداخلها ما أن وقعت عينها على اسم المرسل (مؤسسة "المرأة" العالمية الأمريكية)، غمرتها كل عبارات الفرح.

مؤسسة المرأة العالمية، مؤسسة أمريكية ولها ٢٠ مكتبا في عشرين دولة مختلفة أطلقت هذه المؤسسة حملة لتمكين الفتيات، وكفعالية مساندة للحملة كان هناك حدث عالمي وهو اختيار ستين امرأة ملهمة على مستوى العالم في مجالات مختلفة.

اختارت مؤسسة المرأة مباشرة ٦٠ امرأة، ولم يترشحن إنما تابعت المؤسسة عددا كبيرا من النساء الملهمات في المجالات المختلفة، بناء على أعمالهن التي كانت لها آثار واضحة في الميدان، فلماذا كانت رنا زيادة من بين معلمات فلسطين ضمن القائمة دون غيرها؟ صحيفة "فلسطين" استمعت في حوارها مع المعلمة رنا تفاصيل خلف كواليس الجائزة، ازاحت فيها الستار عن السبب الذي أوصلها إلى "قائمة الملهمات".

لا زالت أمواج الفرح تغشاها "عندما وصلني الإيميل كنت مصدومة، لأني لم أعرف المؤسسة، ولم أتوقع أن أكون يوما ضمن هذه القائمة، ليس لأن أعمالنا أقل، فأن تكون امرأة فلسطينية ضمن قائمة أمريكية أمر صعب".

صدمة الفرح

بعد انقشاع غبار صدمة "الفرح" عن قلبها، بدأت بالبحث عن المؤسسة، فوجدت تفاعلا عالميًا مع المؤسسة التي لها وزنها ومكانتها، "تواصلت معهم وطلبوا أن يكون هناك مقابلة، فأجريت مقابلة مع مدير المؤسسة وشركة إخراج وإنتاج، قاموا بتصوير مقطع مرئي تحدثت فيه عن قصة المعلمة الفلسطينية التي تعمل في قطاع غزة، في ظل هذه الظروف".

عن شعورها لحظة استلام الإيميل، سبقتها ضحكة عفوية تراجع المشهد "صدمت وشعرت أنه تم تقدير عملي، وأن كل الجهد الذي قمت به لم يذهب سدى، وأنني وصلت باسمي ومدرستي ووطني إلى محفل دولي مهم، ولم تكن التجربة الأولى فالعام الماضي تم اختياري من ضمن افضل 50 معلما على مستوى العالم من مؤسسة "فاركي" وهي شريكة لليونسكو، وهذا انجاز عظيم أن نكون ضمن أفضل معلمي العالم".

"كنت فخورة جدا ليس لأجل رنا، بل لأجل كل المعلمات والنساء الفلسطينيات (...) بعد الفوز الآن يتم تداول قصة المعلمة الفلسطينية مع 59 امرأة ؛ تصلني رسائل دعم بأن ما نقوم به عمل رائع ومميز، سلطنا الضوء على غزة، على فلسطين والمعلمة الفلسطينية".

ما زالت مراسم الفرح تدق طبول التفوق بداخلها "الجائزة تعني لي الكثير، أكرمت بالعديد من الألقاب والجوائز، هذا اللقب مختلف لأنه يتم تداول القائمة ال٦٠ وهي تشمل رئيستي دولتين ورائدة فضاء، وعالمة أبحاث وناشطة سلام وهي حفيدة نيلسون مانديلا، ورنا زيادة.. قائمة تجوب العالم، ويتم مشاركة القصة على نطاق واسع".

وهذه المعلمة تُدَرس مادة الرياضيات بمدرسة الزهراء الثانوية بمديرية التربية والتعليم شرق غزة، حاصلة على بكالوريوس رياضيات حاسوب من كلية العلوم بجامعة الأزهر، ودبلوم تأهيل تربوي من جامعة القدس المفتوحة، وماجستير مناهج وطرق تدريس الرياضيات من الجامعة الإسلامية، تعمل في التعليم منذ 16 عاما.

حصلت خلال عملها على العديد من الألقاب، عام 2014م حصلت على جائزة دولة فلسطين للإبداع والتميز التربوي، وفي 2017م تم اختيارها كأفضل معلمة فلسطينية من وزارة التربوية والتعليم. في عام 2019م تم اختيارها من ضمن أفضل ٥٠ معلم على مستوى العالم، وفي هذا العام فازت بجائزة التعاون للمعلم المتميز، وآخر لقب حصلت عليه اختيارها ضمن ستين امرأة ملهمة حول العالم.

مسار تغيير

معايير الاختيار للنساء الملهمات بأن تكون المرأة التي يتم اختيارها ذات قصة ملهمة، ولديها فكرة كانت لها نقطة تغيير في حياة بعض الأشخاص، وأن يكون لها أثر في الميدان، ما قامت به خلال طوال فترة عملها كمعلمة هو استحداث طرق وأساليب للتعامل مع الطلبة في تعليم الرياضيات.

تعود لأصل الحكاية " في بداياتي كمعلمة قمت بربط الرياضيات بالحياة والواقع من خلال الوسائل التعليمية وربطها بحل المشكلات الحياتية، ثم بدأت مع بداية التحول إلى التكنولوجي بدمجها في التعليم، من خلال تصميم مواقع عبر تقنية جوجل "سايت" يتم من خلالها إنشاء العديد من الرحلات المعرفية لإثراء دروس الرياضيات وتعميق الفهم لدى الطالبات".

منذ أربع سنوات بدأت العمل على منحى "ستيم" وهو اختصار لأربعة مباحث، (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات)، بحيث تصبح الطالبة توظف ما تتعلمه في كل مبحث مع المباحث الأخرى والتصميم وبدء العمل من خلال المشاريع، حينما تبدأ الطالبة العمل على مشروع، تتنمى لديها العديد من المهارات، منها البحث ومهارات التفكير سواء التفكير الناقد أو الإبداعي ومهارة التصميم والقيادة والتعاون.

"المميز في مشاركاتي، لم أكن فقط معلمة أعطي مادة علمية ومجموعة من المهارات والمعارف، وإنما موجهة لطالباتي، ليس فقط بالكراسة والمعلومات التي بها تنجح الطالبة وإنما لا بد أن تتمكن من مهارات تجعلها عنصرا فاعلا بالمجتمع، ما ميز عمل رنا خلال السنوات الماضية، كان تصميم بعض المجموعات للخدمة الاجتماعية" .. تدخل خلف كواليس نجاحها، تخرج كلماتها متراصة متناسقة مثل مذيع أخبار، بهدوء واتزان، وشخصية وملامح واثقة.

منذ عامين وهي تعمل على عدد من الفرق، الأول "نحن الأمل" احتضن عددا من الأطفال، لدعمهم نفسيا والعديد من الفعاليات الترفيهية ومسابقات وجوائز، "في نهاية كل لقاء يتم توزيع جوائز على الجميع، كانوا محتاجين للقرطاسية ومستلزمات المدرسة، لكن حفاظا على مشاعرهم، كنا نشركهم جميعا في المسابقات ونعطيهم هذه المستلزمات على أنها هدايا أو جوائز".

خلال جائحة كورونا، وفي مارس/ آذار تحديدا عند بداية الانقطاع عن التعليم في المرحلة الأولى احتضنت ٥٠ طفلا، من الذين لم يستطيعوا التواصل مع معلميهم لعدة أسباب، إما بسبب عدم وجود انترنت أو هاتف محمول بالبيت، ذلك الجهد حاضر في حديثها "قمنا بطباعة أوراق العمل لأطفال الفئة المستهدفة من الأول حتى السادس الابتدائي ثم نوصلها لمنازلهم بالإضافة لبعض القرطاسية، ونستمر بالمتابعة ومدى استمرارهم بالتعلم".

بعض طالباتها كن يتابعن الاطفال ويحللن الاسئلة، ويصورن بعض الفيديوهات، ينتشي صوتها بالفخر" حافظنا على استمرارية التعلم لهم لو بالشيء البسيط .. كل هذه الانجازات والفعاليات، كنت دائما أقوم برفعها على "تويتر" فأجد العديد من المشاركات، تصلني رسائل شكر ودعم من أجانب، وهذا التقدير من مؤسسات أجنبية هو الذي أوصل رنا لمؤسسة المرأة العالمية ووضع اسمها في الاختيار المباشر، ضمن قائمة أفضل ٦٠ امرأة ملهمة حول العالم.

"سأقول شيئًا .. كوني معلمة رياضيات للمرحلة الثانوية فإن طالباتي في هذا العمل يحتجن العديد من التوجيهات والنصائح وللتخصص العلمي أو الأدبي، أبقى معهن على تواصل حتى في الجامعة (...) لست معلمة فقط إنما أخت وصديقة، استطعت أن أبني علاقة وطيدة مع طالباتي وأكون لهن سندا وعونا للمرحلة الجامعية وحتى في حياتهن العامة".

تنتسب المعلمة رنا لمعهد "ستيم" ببريطانيا، وهي مدربة في وزارة التربية والتعليم، ومتدربة "أنخرط في أي دورة جديدة قد تفيد طالباتي" .. هذا نهجها، وهي باحثة لدى العديد من الأبحاث المحكمة المنشورة في عدة مجلات عربية ودولية، والعديد من المشاركات التربوية في المؤتمرات على مستوى فلسطين وخارج فلسطين.