بذلت وحدات الأمن العسكريّ وطواقم التحليل الاستخباريّة دورًا وجهدًا بارزًا في التعرف إلى مهمة وحدة "سيرت المتكال" الاستخباريّة، وكشف هوية عناصر الوحدة المناطة بهذه المهمة في قطاع غزة، وهو ما شكّل إنجازًا كبيرًا لاستخبارات المقاومة.
يرتكز الاحتلال في إطار مجهودات قضم قدرات المقاومة على مجموعة استراتيجيات عسكريّة قائمة أساسًا على المعلومات المستدامة عن نوايا المقاومة وقدراتها وحدود إمكانياتها. في المقابل، أولت المقاومة أهمية خاصة في مجال تطوير قدراتها الاستخبارية، الأمر الذي انعكس على صلاحيات استخبارات المقاومة وقدراتها وحدود اشتغالها وطبيعة تعامل القيادة مع تقديراتها الاستخباريّة.
استنادًا إلى أهمية المعلومة الأمنيّة في تقدير الموقف وتأمين مقدرات المقاومة، تنشر استخبارات المقاومة ضباط وحدات الأمن العسكري على امتداد قطاع غزّة، وفق هيكليات منتظمة قادرة على الاستجابة لضرورات الواقع غير المستقر والقابل للتطور السريع في كل لحظة.
في عملية "حدّ السّيف" عام 2018م، ساعدت وحدات الأمن العسكريّ التابعة لاستخبارات المقاومة في عرقلة مهمة قوة خاصة من وحدة "سيرت متكال" الاستخباريّة؛ إذ سارع ضباط الأمن العسكريّ إلى محاصرة مركبة القوّة والتحقيق مع عناصر طاقمها المتنكرين بأسماء وهمية. بعد (40) دقيقة من تحقيق استخباريّ معمّق مع عناصر "سيرت متكال"، اتخذ القائد العسكريّ نور بركة وضباط الأمن العسكريّ قرارًا بإجراء تحقيق فردي مع جميع العناصر المشتبه بهم، وهو ما دفع قائد قوّة "سيرت متكال" إلى الاشتباك الصاخب وطاقمه مع عناصر المقاومة، الأمر الذي أدى إلى اتساع دائرة الاشتباك والوصول إلى مرحلة الانسحاب من غزّة بغطاء ناري من طائرات "يسعور" القتالية.
بعد حوالي (36) ساعة من خوض جولة قتال مع الاحتلال، بدأت المقاومة بمجهودات مضنية؛ بهدف جمع المعلومات الميدانية من المصادر السريّة والعلنيّة حول ماهية المهمة الاستخباريّة الموكلة إلى وحدة "سيرت متكال" داخل قطاع غزّة؛ إذ هرعت طواقم استخبارية متخصصة إلى معاينة مسرح عملية الاشتباك، الذي حاول الاحتلال طمس معالمه من خلال القصف المكثف من طائراته الحربية، غير أنّ المقاومة نجحت في انتشال المركبتين المتواجدين في مسرح العملية والمعدات التي بداخلهما، وأجهزة تقنية حساسّة ذات تأمين عالي المستوى ومتطور.
أفضت جهود طواقم تحليل استخبارات المقاومة إلى الكشف عن مهمة عناصر وحدة "سيرت متكال" داخل غزّة؛ إذ تمثلت المهمة في زرع منظومة تجسس متقدمة قرب إحدى مقاسم شبكة اتصالات المقاومة. وقد تمكنت استخبارات المقاومة من التعرف على جميع عناصر الوحدة المشاركين في المهمة، الأمر الذي مكّنها من تعقب مسارهم من لحظة التدريب التقني والبدني على المهمة إلى لحظة الانطلاق إليها من قاعدة الاستخبارات العسكريّة "أوريم" قرب الحدود مع قطاع غزّة. وفي الإطار ذاته، استطاعت استخبارات المقاومة كشف هوية أفراد ومؤسسات أجنبية تعمل لصالح الاحتلال تحت غطاء إنساني وإغاثي في غزّة.
يُعدّ كشف ماهية المجهود الاستخباريّ لأي منظومةٍ كانت ضربةً قاصمةً لإرثٍ مهنيٍ ومعنويٍ غاية في الأهمية لهذه المنظومة، وتزداد أهمية الأمر وعظمته عندما يكون متعلقًا بمنظومة الاحتلال الاستخباريّة، التي تتلقى تدريبات خاصة جدًا، وتتسلح بمعدات وأدوات حسّاسة، وتمتلك منظومة قيادة وسيطرة قويّة، الأمر الذي جعلها تنافس منظومات عالمية في مجال النشاط الاستخباريّ، سيما ما يتعلق بتنفيذ المهام الخاصة في دولة الخصم.
هذه الضربة الاستخباريّة القاصمة التي تلقها الاحتلال، تضاف إلى إخفاقات أخرى في المجال ذاته، أهمها: العجز المعلوماتي الناجم عن نجاح المقاومة في ملاحقة عملاء مخابرات الاحتلال والتضييق عليهم، بالتوازي مع جهود توعية الجمهور الفلسطيني بطرق التجنيد التي تنتهجها مخابرات الاحتلال وأساليب كشف عملها.
لقد نجحت استخبارات المقاومة في كشف مهمة قوة وحدة "سيرت متكال" في غزّة ومتعلقاتها كافة، بما في ذلك الأدوات المستخدمة وأساليب الاشتغال، ومسار عناصر القوة ومسالك عبورها وانسحابها. وقد سجلت استخبارات المقاومة إنجازًا آخر، حين تمكنت من الاحتفاظ بالمركبتين ومعداتهما، رغم سعي الاحتلال الدؤوب إلى التعرف على أماكن تأمين هاتين المركبيتن لتدميرهما.
سمحت المقاومة بنشر جزء ضئيل من المعلومات المتحصل عليها؛ بفعل التعقب الحثيث، وجمع المعلومات من المصادر المختلفة، والتحليل الاستخباري العميق، فيما وظّف ضباط استخبارات المقاومة المعلومات غير المعلنة في تجويد المجهود الاستخباريّ، واختراق استخبارات الاحتلال، وهو ما ظهر جليًا في العملية الناجحة، التي سمحت المقاومة بالإفصاح عن بعض تفاصيلها أواخر عام 2019م، إذ تمكنت استخبارات المقاومة بتضليل ضباط الشاباك من خلال المصادر المزدوجة، مما ساعد على تنفيذ عملية عسكريّة باستخدام أدوات قتاليّة ظن الاحتلال أنه قد أحبط فعاليتها.