فلسطين أون لاين

الاحتكار "نوع من السحت" تحرمه الشريعة

...
غزة/ هدى الدلو:

جاءت الشريعة الإسلامية حافظة للحقوق، وللعدل بين العباد، فوضعت الأسس اللازمة لذلك، ومنها تحريم الاحتكار، الذي يمثل "نوعًا من السحت"، وفق علماء في الفقه والشريعة.

الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. زياد مقداد يشير إلى أن الشريعة الإسلامية شريعة عدل وتراحم وتكافل وأخلاق، ولذلك لو تطرقنا إلى جميع أحكامها فإنها تهدف إلى تحقيق المقاصد الشرعية، والبعد عن كل ما يخالف العدل ويسبب الظلم.

وفي حديث مع صحيفة "فلسطين" يقول: "الاحتكار والاستغلال يعتبر من قبيل المحرمات التي ترفضها ولا تقرها الشريعة، ومن ذلك ما نراه في زماننا من استغلال من قبل بعض التجار والشركات التجارية أو احتكار لمنتجاتها التي يحتاجها المواطنون، وذلك من خلال رفع أسعارها بحيث تكون مرهقة للمواطن وتزيد عن السعر الحقيقي والمعقول، فإنه يعتبر أمرًا محرمًا لما فيه من استغلال للمواطن واحتكار للسلعة".

ويضيف مقداد: "فكيف إذا كان البلد يعيش في أزمة اقتصادية أو يعيش شعبه في وضع صعب، فنجد بعض التجار يستغلون المواطن ويحاولون استنزافه دون حول له ولا قوة، وهذا لا يقتصر على أن يكون المنتج طعامًا وشرابًا فهناك خدمات أخرى يحتاجها".

ويبين أن ذلك يعتبر استغلالا وحرمته الشريعة تحريمًا قاطعًا، فمن واجب الشركات والتجار أن يعلموا أن كسبهم لهذه الأموال الناتجة عن استغلال المواطنين من خلال رفع الاسعار نوع من أنواع أكل أموال الناس بالباطل.

ويلفت مقداد إلى أنه نوع من السحت الذي حرمته الشريعة، وحذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال في حديثه: "كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به"، محذرًا التجار والقائمين على الشركات من أكلهم لأموال الناس بالباطل حتى لا يكونوا حطبا لجهنم.

ويوضح أن عليهم أن يعودوا إلى رشدهم ويخفضوا الأسعار، بحيث تكون عادلة وليس فيها استغلال ولا طمع ولا زيادة عن المعقول، ومن واجب الحكومات في ظل وجود المحتكرين من التجار والشركات ألا يسكتوا، بل يمنعوهم بكل الوسائل بسن القوانين وفرض العقوبات، أو إيقافهم عن العمل لفترة معينة حتى ينصاعوا للحق.

أما المواطنين، فينبه إلى أن من واجبهم أن يتكاتفوا ويجتمعوا ليوقفوا الاستغلال باتخاذ مواقفهم من خلال مقاطعة المنتج أو من خلال التعريض بهؤلاء التجار، وألا يصمتوا عن ضياع حقوقهم بالطرق الحضارية، بحيث لا يترتب عليها ضرر على المؤسسات العامة والخاصة.

ويشير مقداد إلى أن الأصل في المجتمع المسلم أن يكون متراحمًا متكافلًا الحاكم يعدل مع المحكوم، والغني يساعد الفقير، لقوله عليه الصلاة والسلام "مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ".

ويبين أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الربا بنسب بسيطة، فيكف ببعض السلع التي تبيع منتجاتها أضعاف مضاعفة؟

الإضرار بالناس

بدوره يعرف الاختصاصي في السنة وعلوم الحديث د. نادر وادي الاحتكار بأنه حبس طعام الناس وأقواتهم عند قلتها وحاجتهم إليها ليرتفع سعرها ويبيعوها بأثمان باهظة، مبينًا أنه فعل محرم، فعن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لا يحتكر إلا خاطئ"، والخاطئ هو الآثم ومرتكب المعصية.

ويوضح وادي لصحيفة "فلسطين" أن القاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار" فالمحتكر يضر بالناس ويشق عليهم عند حاجتهم إليها، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".

ويقول وادي: "من آثار الاحتكار على حياة المسلمين أنه يعطل النمو الاقتصادي، ويزيد في التضخم، ويعيق حركة الانتاج، ويحد من التنافس في التجارة والاقتصاد، ويؤثر على الاستثمارات الداخلية والخارجية، والقدرة الشرائية للمستهلك، فيخل بمنظومة الاستهلاك"، حاثا على توعية المواطن بألا يقع رهينة الاحتكار، وبوجوب تعاون الدولة معه لمحاربته.