فلسطين أون لاين

إلى أن يُصبح الشيخ خضر عدنان أسيرًا!

لم يكن من السهل أن أمرّ مرور الكرام على خبر تمزيق صور الأسيرة النائب سميرة الحلايقة بعد تعليقها في خيمة التضامن مع الأسرى المضربين، المقامة على ميدان ابن رشد وسط مدينة الخليل، ولا على الاعتداء على الشيخ خضر عدنان واحتجازه لدى الشرطة في نابلس عقب تهجم عناصر أمنية بلباس مدني عليه هو والمحرر محمد علّان، رغم أنهما كانا في مهرجان تضامني مع الأسرى، ورغم أن كليهما من رموز الإضراب في السجون. ومثل ذلك يُقال عن مسارعة أجهزة السلطة للتصدي لأية تظاهرة يمكن أن تتطور إلى مواجهة عنيفة مع الاحتلال، في سياق فعاليات إسناد إضراب الأسرى.


لا أقول لذلك لأنني وعيتُ فجأة حقيقة السلطة وأجهزتها الأمنية أو تفاجأت من صنيع المحسوبين عليها، بل لأن كل تلك الاعتداءات جرت في سياق حالةٍ ظنّ بعض الطيبين أنها تحمل تغيّرًا ما في توجهات أو سياسات هذه السلطة، أي حملات التضامن الإعلامية الواسعة مع الأسرى والتي رعتها هذه المرة مؤسسات السلطة الرسمية، على خلاف ما كان يجري سابقا.


لكنّ الواضح هنا أن قيادة السلطة التي أحرجها إضراب الأسرى بقيادة مروان البرغوثي؛ الخصم الجديد لعباس وتياره، معنية بإدارة تداعيات هذا الإضراب على نحو يناسبها، أي استغلاله لادعاء التزامها بقضية الأسرى واهتمامها بهم، ولكن مع ضبط إيقاع الشارع وعدم السماح بتدحرج كرة اللهب إلى خارج الحدود الحمراء المعروفة، وبهذا تضمن لنفسها مسرحًا لتمثيل الوطنية عليه أمام الجمهور، مع تصدير صورة للخارج الإسرائيلي والأمريكي تؤكد التزامها بالسيطرة الأمنية وإقفالها كلّ الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها تغيير ميداني جديد.


غير أن إصرارها على حرق كل الرموز الوطنية الداخلية في الضفة، مثل الشيخ خضر عدنان، يكشف تناقضاتها الحقيقية، بل ويبيّن كيف تدير هذه التناقضات لتثبيت سيطرتها، فالشيخ خضر عدنان ليس حمساويًا ليكون حقد السلطة عليه مفهوما، لكنه هامة وطنية كبيرة في الضفة استمدّ رمزيته من إضرابه البطولي الطويل داخل السجون، ثم من نشاطه الوطني الميداني غير المتوقف في ساحة الضفة، ولهذا كان من الطبيعي أن يصطدم نشاطه هذا مع مشروع السلطة، وخصوصًا بعد حادثة استشهاد باسل الأعرج، وحضور الشيخ في تداعيات هذه القضية، أي في الاحتجاجات الرافضة لمحاكمة باسل ورفاقه في محاكم السلطة. ولهذا كان لا بدّ أن تدير السلطة حملة لتشويهه معنويًا ثم تتبعها بمحاولات الاعتداء عليه جسديا، لأن هذه ببساطة ضريبة النشاط المؤثر في وعي الناس في الضفة، فآخر ما يمكن أن تقبله السلطة تكاثر مثل هذه النماذج. لكنها لن تمانع من تبجيلها والسماح بالتضامن معها إذا أصبحت فقط أسيرة لدى الاحتلال، لأنها عمليًا تكون قد تخلّصت من عبئها الميداني وتداعياتها التأثيرية.


ولذلك؛ فإلى أن يتحوّل الشيخ خضر عدنان إلى أسير لدى الاحتلال سيظلّ التحريض الرخيص عليه قائما، ولن يشفع له نضاله داخل السجون، ولا نشاطه خارجها، ولا تلك المكانة التي حازها لدى جمهور الضفة، بفعل نشاطه الدؤوب والتزامه بمناصرة جميع القضايا العادلة قولًا وفعلا.


ما يحدث مع الشيخ خضر عدنان سبق وأن حدث مع غيره، فلا نزال نتذكّر ما حدث خلال فعاليات إضراب الأسرى (عام 2014)، وكيف تم ضرب وسحل النائبين حسن يوسف وفتحي القرعاوي والقيادي نزيه أبو عون. وستتكرر مثل هذه الأفعال مع آخرين ما دام هناك من يغضّ الطرف عنها ويتعامى عن خطورتها ودلالاتها، أو يعتقد أن تأجيل الكلام فيها خُلق حسن سيخدم قضايا كبيرة مثل إضراب الأسرى أو غيرها.. هؤلاء الأسرى الذين تهينهم السلطة وتعتدي على رمزيتهم وكرامتهم كلّ يوم؛ مرّة بتقييد خطوات الميدان، ومرة بالاعتداء على رموزهم، ومرة بإصرارها على تفصيل تضامن معهم على مقاسها، أما الجرم الأعظم من كل هذا بحقهم فهو حصارها لغزة والتمادي في تجويعها، تلك البقعة التي تحتضن وحدها حلم الأسرى بالانعتاق، وفيها ما يمكن أن يقدّم لهم الإسناد الحقيقي والكرامة الكبرى، وهي الحرية.