تمر القضية الفلسطينية بمنعطف خطر جدًّا لا سيما حين يتم ربطها بأشخاص دوليين، ففي كل انتخابات أمريكية تتجه الأبصار نحو من هو القادم، ويبدأ المتكهنون في قراءة الفنجان، هل الرئيس القادم سيقدم شيء للقضية الفلسطينية، وهل البيت الفلسطيني يتم ترتيبه حسب الأهواء، فعلى مر ثلاث عقود من الزمان مر علينا (بل كلنتون وبوش الابن وأباما وترامب) فماذا قدموا للقضية الفلسطينية سوى تضييعها وتهميشها، فالسياسة الأمريكية تساند دولة الاحتلال وتعتبرها ولاية من ولايات الولايات المتحدة الأمريكية، فجو بايدن الرئيس المنتخب حاليًا ونائبته كاميلا هاريس صرحا منذ زمن أن دولة "إسرائيل" أنشأت لحماية مصالح أمريكا وقالا نحن صهاينة أكثر من قادتها الصهاينة نسعى لحمايتها بكل الطرق، فماذا بقي لنا كلام يا قادتنا بعد هذا.
اليوم نحن بحاجة ماسة أكثر من أي يوم مضى أن نكون موحدين، أقول إنها جريمة وطنية كبرى أن يتم ربط المصالحة الوطنية بنتائج الانتخابات الأمريكية، فالمصالحة هي واجب ديني ووطني وأخلاقي ومصلحة وضرورة فلسطينية مُلحة للتعامل مع الآخرين فيما يخص القضية الفلسطينية، فالمفاوض الفلسطيني بحاجة لسند الوحدة، فكلما كان الشعب موحد والفصائل ذات رؤية وطنية واحدة سيبنى السياج الحامي للقضية الفلسطينية، فرحم الله كبير المفاوضين الفلسطينيين د. صائب عريقات ماذا جنى بعد 25عاما من المفاوضات العقيمة مع المحتل سوى سراب، فكيف لوكان القيادة الوطنية موحدة خلفه لجنى الدولة الفلسطينية.
فشعب فلسطين أصيل يحتاج لقيادة أصيله تضع نصب أعينها الوحدة والانطلاق نحو تحرير كامل تراب الوطن، فمنذ أكثر 13عاما ونحن في انقسام مقيت، ضيعت من خلاله محورية القضية ونظارتها بين المحافل الدولية، فالانقسام كل فترة يفوز بولاية جديدة وكأنه رضي بنا ولا يريد أن يتزحزح ويبتعد عنا ويسمح للوحدة أن تحل مكانه فلماذا لا يكون عندنا ديمقراطية في اختيار مصيرنا وترتيب بيتنا الفلسطيني، فهل نحن لا نمتلك القرار أم ملكناه لغيرنا وأصبح هو يتحكم بنا، فالعالم يتغير من القطب الواحد إلى ثنائي القطبية، فلماذا لا نتغير ويكون عندنا خيار آخر غير الانقسام.
فمستقبل الشعب الفلسطيني ليس مرتبط بطرف واحد من الفصائل أعني (فتح وحماس) مهما كانت قوته في الساحة الفلسطينية حتى يستفرد بالقرار وهذا يعد بمثابة تفريط بالحقوق لأن الحقوق الفلسطينية هي القواسم المشتركة التي عليها اجماع وطني وأن آليات تحقيقها لا يمكن أن تكون الا بالتوافق على هذه الآليات، فمطلوب من كل الأطراف الفلسطينية أن يعيدوا للقضية زخمها من جديد وأن يقفوا في وجه من يريد أن يتكلم باسم الشعب الفلسطيني وهو ليس منهم كالمطبعين اليوم فالبحرين والإمارات أخذتا على عاتقهما أن يدخلا "إسرائيل" للجامعة الدول العربية بكل الوسائل.
فمتى سنمضي قدمًا في إنجاز المصالحة، وتحقيق الوحدة الوطنية، لأنها هي الأكثر ضمانًا لحقوقنا من وعود أي زعيم أمريكي أو دولي، فوحدتنا هي رأس مال عزتنا، وهي المفتاح الوحيد للحفاظ على قضيتنا من التصفية وحتى من التهميش والطمس، وهي مفتاح نصرنا وإقامة دولتنا، ومَن يُراهن على غير المصالحة والوحدة الوطنية فهو بمنزلة مقامر بالقضية وحقوق الشعب الفلسطيني، فالقوة كل القوة في تكوين قيادة جديدة بناءً على الشراكة الوطنية، وبذلك سنرغم كلَّ العالم بما فيه أمريكا على التعامل مع قيادة الشعب الفلسطيني الموحد خلفها، فالمصالحة والوحدة من أقوى أوراق الضغط الفلسطينية لأنها هي التي تجعل من الشعب الفلسطيني حاضنة وسند لكل التحركات الفلسطينية وهي التي على صخرة صمودها وتضحياتها ستتحطم كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية وكل السياسات التي تحاول الانتقاص من حقي كفلسطيني شرد وهجر وسلبت أرضه.
فمنذ أوسلو ليومنا هذا ماذا جنينا من الإدارة الامريكية سوى الضياع والتشرذم في القضية الفلسطينية، بل تعمدوا أن يجعلونا نلهث وراء السراب ولعبوا على عامل الوقت حتى تنهار قوى القيادة الفلسطينية وترضخ لإملاءات وأطماع "إسرائيل"، فالسياسة الأمريكية واضحة وضوح الشمس وكل رئيس يأتي يكمل ما بدأه سلفه من قبل ودولة الكيان فوق كل اعتبار في السياسة الدولية وهي فوق القانون بل يقف القانون عاجز أمام تصرفاتها وعربدتها، لذلك المطلوب منا يا قادة فلسطين ألا ننجح الانقسام لولاية جديدة بل شطبه من سجل التاريخ، وتجعلوا الأجيال القادمة تقرأ عنكم وتفتخر بقادة جعلوا القضية هي هدفهم وفوق كل اعتبار( الحزب والمصلحة الشخصية).
فمتى سيصدر رئيس السلطة الفلسطينية وثيقة دفن الانقسام وإلى الأبد، ومتى سيصدر وثيقة شعب واحد وقيادة موحدة نحو القدس وتحرير كامل تراب الوطن وتحرير كامل الأسرى من سجون العدو الصهيوني.