عهدنا حماس دومًا بالتجديد والانفتاح نحو العالم الخارجي، وتمر علينا ذكرى انطلاقتها التاسعة والعشرون بعد يومين, فحماس انطلقت من قلوب الناس والمؤيدين لها إلى كل العالم؛ فأصبحت منفتحة على العالم ولها وزنها الإقليمي والدولي.
فحماس التي انطلقت مع بداية الانتفاضة الأولى عام 1987م, وأصدرت بيانها الأول في 14/12/1987م عدت من أكثر الأطراف فاعلية، وعرفت حماس نفسها أنها جناح لـ"الإخوان المسلمون" في فلسطين وامتداد لهم، وذكرت في ميثاقها أنها تعد الإسلام منهجًا لها, منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها، وإليه تحتكم، ومنه تسترشد خطاها.
رمت حماس إلى تحرير فلسطين بمشاركة كل العالم الإسلامي والعربي بجانب الفلسطينيين أنفسهم, ودعت إلى تربية متكاملة للأجيال لتحقيق الغايات المرجوة، وأكدت الهدف المرحلي، وهو مشروعية الكفاح المسلح وغيره من أشكال المقاومة، والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية للمجتمع الفلسطيني.
حب الوطن هو أساس فكر حماس، وتعد الوطنية جزءًا من عقيدتها الدينية, وبناءً على هذا الفكر تصنف موقفها من الأحداث في العالم, وتؤمن أن الساحة الفلسطينية تتسع لكل الاجتهادات, وتعتقد أن وحدة العمل الوطني يجب أن تجمع عليها كل الفصائل العاملة في فلسطين، وتؤمن بعدم الاعتراف بالكيان العبري وتحث الآخرين على ذلك, وفي الفكر العسكري هي تؤمن بالكفاح المسلح وتعده الخيار الإستراتيجي لمقاومة العدو الصهيوني, وهي تسعى في ظل الضعف العربي الإسلامي إلى المحافظة على المقاومة, وتؤمن أن العمل الفدائي يجب أن يكون داخل حدود فلسطين، كونه يؤثر بقوة على الكيان العبري, وسعت بكل جدية إلى تكوين جناح عسكري لها في مطلع التسعينيات، وأطلقت عليه اسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الذي بدوره أذاق الاحتلال الإسرائيلي الويلات فأصبح يحسب للحركة ألف حساب.
فحركة حماس انطلاقتها كانت انتفاضة ومازالت، وهذا يعني أنها لن تتنازل عن الثوابت ولن تلقي السلاح أبدًا, وبالفكر المستنير استطاعت أن تحقق أهدافها, مع المؤامرات التي أحيكت ضدها طيلة عمرها، فهي لم تعترف بالكيان العبري مع أنها شن عليها ثلاث حروب في قطاع غزة، كان هدفها جميعًا القضاء عليها, وحافظت حماس على مكانة المقاومة المسلحة، وعززت مكانتها بين شباب وأهل فلسطين, وبين كل التواقين إلى الحرية في العالم العربي والإسلامي والعالمي.
ومازالت حماس تحظى بشعبية كبيرة في أوساط الفلسطينيين, ويرجع هذا إلى تبنيها نهج المقاومة والدفاع عن الوطن بكل التقنيات المناسبة, فجناحها العسكري يسابق الزمن في تجهيز العدة وابتكار العدة والعتاد الذي صعق به الكيان بل العالم كله في حرب 2014م, فقوة عناصرها وشجاعتهم جعلتا العالم يحترم حماس وهي تصد عدوًّا مجرمًا من مسافة صفر، وتأسر جنوده وتفتت دباباته.
فحماس بشعبيتها والإدارة الحكيمة ملكت قلوب الأمة؛ فهي لم تقاتل العدو خارج فلسطين حتى لا يكون لأحد حجة ليتهمها بالإرهاب، ولم تتدخل في الشأن الداخلي للدول، بل بنت علاقة طيبة مع دول كثيرة من أجل فلسطين.
فقياداتها نشئوا على حب التضحية؛ فالعديد منهم استشهد من أجل الثوابت والدفاع عن المقاومة، فرحل المؤسس الشيخ أحمد ياسين بصاروخ فتت كرسيه المتحرك، وهو معروف أنه لا يقدر على الحركة ولكن عقله كان يزن دولًا، ورحل أسد فلسطين د. عبد العزيز الرنتيسي وهو ينشد أبيات الشعر للمقاومة, ورحل العياش وأبو شنب والمقادمة والجعبري، وكثير غيرهم، وقدم العديد من قيادتها أبناءهم شهداء، كل هذا ما كان لهم أن يقدموه إلا لأنهم أصحاب قضية قدموا لها كل نفيس.
حماس بانطلاقتها ومع حصارها ملكت كل معاني التغيير؛ فهي خاضت تجربة الحكم تحت الحصار، ونجحت في ترسيخ مبدأ الإيثار؛ فقدمت الحكم على طبق من ذهب من أجل جمع شمل الوطن تحت قبة المسجد الأقصى.
تحتفل حماس بذكرى انطلاقتها في ظل مفاوضات سعت إليها تركيا، من أجل تحرير الأسرى البواسل في صفقة مشرفة كصفقة "وفاء الأحرار".
فهل ستحتفل حماس بالعقد الثالث لانطلاقتها والشعب موحد خلف جيشها القسام؟، فيا أبناء حماس وفتح والجهاد والجبهة والأحرار متى سننبذ كل المصالح الشخصية والحزبية وننتبه إلى الوحدة الوطنية؟!، متى سنضرب العدو بيد من حديد ونفشل مخططاته لتقسيم أبناء الوطن؟؛ فالعدو واحد والقضية واحدة، فمتى سنقيم العرس الوطني الكبير الوحدة الوطنية؟، فمتى سنرى كل قيادات الفصائل يحتفلون معًا على منصة واحدة، يجمعهم الوطن القضية؟