يحسب بعض الفلسطينيين الغافلين أن مدن الضفة الغربية في مأمن من الأطماع الإسرائيلية، وأن مجرد وجودهم داخل مدن الضفة الغربية يقصم ظهر المخططات الصهيونية، وأن تزايد أعدادهم، وتكاثرهم الديمغرافي سيفسد على الإسرائيليين تآمرهم على القضية الفلسطينية، ويحسب هؤلاء الفلسطينيون أن بقاءهم يشكل خنجراً في خاصرة الاستيطان الذي يغتصب الأرض، وأن بقاءهم في المدن والقرى يشكل شوكة في زور الاحتلال، ويحبس أنفاس المستوطنين.
قد يكون في المنطق السابق بعض الواقعية فيما لو كان العدو فرنسياً أو بريطانياً، ولكن العدو إسرائيلي، والذي يخطط لمستقبل الضفة الغربية له منطلقات عقائدية، والطامع بالأرض لا يخشى العواقب، وله تجربة سابقة في طرد ملايين الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، ويضع خططه لعشرات السنين في انتظار اللحظة المناسبة، وقد عانى الشعب الفلسطيني تجربة الطرد من الأرض بعد خمسين عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، لتظل نكبة سنة 1948 خير شاهد ودليل على فظاعة المخطط الصهيوني، وخير دليل على سهولة تنفيذ نكبة أخرى في مدن الضفة الغربية، بطرق إبداعية جديدة، وبوسائل وأساليب تناسب والقرن الواحد والعشرين.
أصحاب نظرية الصمود على الأرض دون فعل شيء هم أصحاب نظرية تفويت الفرصة على الاحتلال دون تمكينه من ممارسة البطش والطرد ضد سكان الضفة الغربية، أصحاب هذا المنطق يطالبون الشعب بعدم المقاومة، والانتظار بصمت، وعدم المبادرة بأي خطوة تجر على أرض الضفة الغربية المزيد من المصادرة، والمزيد من القمع والتنكيل، وربما الطرد في حالة اشتداد الغضب الإسرائيلي، وتوافر الذرائع لذلك.
إلى أولئك الفلسطينيين الحالمين بالعيش بسلام في مدن الضفة الغربية بمنأى عن الأطماع الإسرائيلية، أسوق لكم ما نشره يوسي بيلن، أحد الوزراء الإسرائيليين السابقين، وأبرز مهندسي اتفاقية أوسلو، لقد نشر مقالاً في صحيفة إسرائيل هيوم، نقلا على لسان الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن قوله:
"من وجهة نظر أمريكا، فإن السلام مع الفلسطينيين لن يُحدث إلا تغييرا تكتيكيا، في حين السلام مع سوريا سيؤدي إلى تغيير إستراتيجي، ويضيف بايدن: أعلم أن الأمر بالنسبة لكم هو إيجاد حل للمسألة الديموغرافية، لكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الأولوية هي السلام بينكم وبين سوريا".
الخطورة في كلام بايدن لا تكمن في الدعوة لترتيب اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل، الخطورة الأشد تكمن في إدراك جو بايدن لقلق إسرائيل من المسألة الديمغرافية، إن مجرد تفهم أمريكا للمسألة الديموغرافية التي تشغل بال إسرائيل جريمة، والصمت على هذا التفهم الأمريكي جريمة، والانتظار حتى تتخلص إسرائيل من الوجود الديموغرافي الفلسطيني جريمة أكبر، وعدم قراءة المستقبل بعيون إسرائيلية مأساة تتكرر.
المؤامرة على أرض الضفة الغربية أنشبت أظفارها منذ سنوات بسط الأمن، وخطر طرد الفلسطينيين أو ترحيلهم عن مدن الضفة الغربية قاب قوسين أو أقرب من انقطاع الرواتب، وإذا لم يبادر الفلسطينيون بخطوات عملية تفسد المخطط الصهيوني، وتضع الألغام على جوانب المنحدر الذي يقود إلى تنفيذ المخطط ، فإن سكين الأطماع الإسرائيلية ستقطع من الجبن الطري ما طاب لها، ويكفي في هذا المضمار أن تفجر صراعاً داخلياً على السلطة، أو أن تغلق إسرائيل بوابة الارتزاق لعدد 150 ألف عامل من سكان الضفة الغربية، يعملون في مصانعها، وتفتح لهم بوابة الارتزاق في العقبة على البحر الأحمر، أو في دولة الإمارات أو في دولة كندا؛ ليبدأ مخطط الترحيل في النفاذ، والانسياب باتجاه مصدر العيش دون ضجيج إعلامي.