صائب عريقات في ذمة الله. توفي عريقات بفيروس كورونا أمس عن عمر بلغ ٦٥ عامًا. عرف عريقات في مؤتمر مدريد عضوًا في وفد منظمة التحرير المستظل بالوفد الأردني تحت قيادة حيدر عبد الشافي. حيدر ترك المفاوضات بعدما أدرك لعبة الوفد البديل في أوسلو. كان من المناسب أن يترك عريقات المفاوضات كما تركها حيدر، ولكنه فعل العكس فتمسك بالبقاء فيها، حتى صار كبيرًا لوفدها في ظل محمود عباس وتوجيهاته.
يعرف الفلسطينيون عريقات بمقولته الشهيرة (الحياة مفاوضات)، حيث كان يظن أنه بمكنته أن يفرض على (إسرائيل) الانسحاب من خلال المفاوضات، وأنه يمكنه إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية بالمفاوضات، لذا ظل مخلصًا للمفاوضات، ومؤمنًا بمشروع حل الدولتين، ولكنه توفي رحمه الله دون أن يتحقق الانسحاب، ودون أن تقوم الدولة الفلسطينية، بل دون أن يحدث أدنى تقدم في الملفين المذكورين، وما زاد الطين بلة أنه شهد إعلان صفقة القرن، ونقل السفارة الأمريكية للقدس، وشهد اتفاق أبراهام للتطبيع. شهد هذا وهو يعاني مشكلات صحية، ولكنه لم يغادر قناعاته بالمفاوضات.
كنت أتمنى لو أنه قبل وفاته وقد أحس بدنو الأجل أن يصرح بخلاصة تجربته التفاوضية، والتي هي عند منتقديه ذات قيمة صفرية، لأنها لم تحقق شيئًا مما كان يصرح به أو يطالب به، وربما كان يعلم أنه لن يأخذ من نتنياهو شيئًا ذا مغزى بالمفاوضات.
رحل عريقات ولكن المؤكد أن المفاوضات لن ترحل برحيله، وأن عباس يبحث عن البديل، لأنه يريد أن يغتنم فرصة وجود بايدن في البيت الأبيض، فعلى من سيقع اختيار عباس ليكون كبيرًا للمفاوضات، الأسماء المرشحة كلها بينها وبين عريقات مساحة فاصلة شاسعة، ومن هم في سلة الاختيار متقاربون في الصفات والمواهب والإمكانات، وليس لأحدهم صفات عريقات وغرامه بالمفاوضات.
هل سيجري عباس اختبار كفاءة للمرشحين، أم أنه سيقدم الولاء على الكفاءة وعلى الاختبار؟! نعم كان عريقات وليًّا ونصيرًا لعباس، ولم يتردد يومًا قِيد أَنمُلة في ولائه له، والولاء هو مفتاح شخصية عباس، ومن ثم يمكن القول إن عباس كان أكبر الخاسرين برحيل عريقات، وإلى أن يستجمع عباس نفسه وأوراقه سنعرف كبير المفاوضين الجديد، أو قل الولي الجديد. الحياة مفاوضات. والمفاوضات بلا نتائج تسمى مفاوضات، وإن جاءت المفاوضات بمخرجات سلبية ومضيعة للوقت فهي أيضا مفاوضات، وبايدن سيعيدهم لها ولكن دون صائب، لأنه يعلم أن هناك مغرمين بها ولا بديل لهم عنها؟