فلسطين أون لاين

تطبيع سعودي زاحف

...

يبدو واضحًا منذ الآن أنه، بعد ظهور نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، ستكون أنظار كثيرين مشدودة، من بين عدة آفاق استشراف مُحتملة، نحو مسار العلاقات بين دولة الاحتلال والسعودية. وهذا ما يتوقعه مثلًا وزير شؤون الاستخبارات الإسرائيلية، إيلي كوهين، في سياق تصريحات أدلى بها إلى موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإلكتروني، يوم الاثنين الأخير، مُرجحًا أن تلحق المملكة بركب دول "اتفاقات أبراهام" التطبيعية، سيما في حال فوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية.

ولا شكّ أن لدى من يتابع الشؤون الإسرائيلية أكثر من سبب وجيه للاعتقاد بأن سبب انتظار الوزير الإسرائيلي اتفاق تطبيع سعوديا لا يعود إلى رغبة دفينة فقط، بل إنه مؤسس على وقائع ناجزة منذ عدة أعوام في نطاق العلاقات بين المملكة ودولة الاحتلال.

وسواء اتفقت الآراء أو اختلفت بشأن ما يُبنى على الرغبات الإسرائيلية، انطلاقًا من هذه الوقائع المتراكمة، لا يمكن غض النظر عن هامش حقيقتها.

وإذا ما بقينا في مجال التقديرات الاستخباراتية، فأول ما يتعيّن أن نشير إليه هو تأكيد إحدى دراسات عدد مجلة "مركز تراث الاستخبارات" الإسرائيلي، الصادر في حزيران/ يونيو الفائت، أن الأعوام الأخيرة تشفّ عن تغيير جوهريّ طاول المنظومة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ينطوي على مؤشرات إيجابية نحو نشوء قدرة عملية على الدفع بمشاريع تعاون إقليمية بين "إسرائيل" وبعض دول الخليج العربي، يظل في مقدمها مؤشر عدم الوضوح الكافي فيما يتعلق باستمرار مكانة الولايات المتحدة في المنطقة عنصرا كابحا في مقابل الإيرانيين، إلى جانب الحراكات الشعبية في العالم العربي التي عزّزت من قوة قطاعاتٍ تطالب الأنظمة الحاكمة بحياة أفضل، وتفشي جائحة كورونا.

وتحدّد الدراسة أن أول نُذُر التغيير المذكور لاح ببريق أخّاذ عام 2015، إثر تبادل السلطة في السعودية وسطوع نجم ولي العهد، محمد بن سلمان، ثم صارت إلى تعمّق عقب انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في نهاية 2016. وتنوّه أيضًا بأن عام 2015 شهد افتتاح ممثلية دبلوماسية إسرائيلية في الإمارات تحت غطاء الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا).

ووفقًا لدراسة أخرى أكثر جدّة صدرت عن "معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، قطعت السعودية شوطًا بعيدًا في مجال النأي عن موقفها المعروف في الماضي، كي تؤيد "اتفاقات أبراهام".

وينطلق الموقف الحالي من اعتبار "إسرائيل" حليفًا محتملًا، وخصوصًا في المستوى الاستراتيجي، وهو ما يختلف جوهريًا عن الموقف السعودي التقليدي حيال "إسرائيل"، إذ اعتُبرت هذه الأخيرة "عدوًا لدودًا ومسؤولة عن معاناة ملايين الفلسطينيين ونبتة غريبة في المنطقة".

وباتت السعودية موجودة الآن في مرحلة اتخاذ خطواتٍ مدروسة، استعدادًا لتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"، تُعدّ بكل المقاييس نوعًا من "تطبيع زاحف"، وتجسّد تحولًا في السياسة الخارجية، يعكسه أيضًا سماحها لشركة الطيران الهندية بالتحليق في مجالها الجوي في طريقها إلى "إسرائيل" ومنها، علاوة على لقاءات جرت بين رسميين سعوديين ومسؤولين إسرائيليين أو من جاليات يهودية، وتدل بوضوح على "الرياح الجديدة التي تهب من ناحية الرياض".

وحتى في حال بقاء التطبيع زاحفًا، فهذا لا يحجب واقع تطوّر العلاقات المتسارع بين الدولتين طوال أعوام في عدد من القنوات المتوازية والمكملة، يمكن إيجازها استنادًا إلى أكثر من مصدر إسرائيلي على النحو التالي: قناة أمنية - استخباراتية لا تزال تشكل قاعدة صلبة لعلاقات بقيت سرية؛ قناة اقتصادية - تجارية صامتة؛ وفي الآونة الأخيرة أيضًا قناة مركزها حوار بين الأديان. ومع الزمن، تطورّت علاقات علنية، وهي تشمل اليوم أيضًا اجتماعات بين مسؤولين كبار من الطرفين، بالأساس مع أشخاص تولوا في الماضي مناصب رسمية، ونقل رسائل علنية.

وعلى الرغم من تكذيب مسؤولين كبار في الرياض، فالافتراض السائد في "إسرائيل" أن المفاوضات والاتفاقات مع الإمارات والبحرين والسودان جرت بعلم جزء من القيادة السعودية وتأييده.