إن حديثنا عن الأخلاق, حديث يهيج شجوننا لأننا نلحظ غيباً واضحاً لكثير من أخلاقنا عند تعاملنا مع بعضنا البعض, وأصبح بعضنا يمتدح غيرينا بأن أخلاقهم هي أسمى وأرقى من أخلاقنا، رغم أننا أتباع أرقى بني آدم خُلقا, امتدحه ربه في خلقه مزكياً فقال وإنك لعلى خلق عظيم, وعودة للاقتداء بأخلاقه كانت هذه السلسلة من المقالات والتي ابتدئها بخلق الصدق, الذي عرف به رسولنا صلى الله عليه وسلم في مجتمع الجاهلية, ووسم به قبل بعثته, فلم يجرب عليه كذبا, فمارس الصدق سلوكا في معاملاته راعياً, وتاجراً, وداعيا, ومعلما, وقائدا, وزوجاً, وأباً...فأثمر صدقه نجاحاً منقطع النظير, وتمكن من تبليغ رسلة ربه فقام دولة الإسلام في سنوات معدودات متخلصاً من الجاهلية وأدواتها وأزلامها, فكان لصدقه صلى الله عليه وسلم الدور الكبير في التعجيل بإقامة دولة الإسلام, والانتشار الواسع لدعوة السماء, لهذا حرض على الصدق يوم أن سئل عن أفضل الناس فقال صدوق اللسان, وفي بيان أن الصدق سبيل كل بر قال صلى الله عليه وسلم: إن الصدق يهدى إلى البر, والبر كلمة جامعة لكل خير, وإن ما نجده اليوم من خلافات ونزعات سواء على مستوى الأسرة أو العائلة أو المجتمع ككل, لو اتصف الجميع بالصدق, لأظلت الجميع الطمأنينة, وذابت الخلافات, وعلا صوت الحكمة والعقل, على صوت الهوى والجهل, فالجميع اليوم ملزم أن يتسلح بالصدق للخروج من واقعنا المرير, ففصائلنا الوطنية والإسلامية إن جعلت من الصدق سلوكا لها في تعاملاتها مع بعضها فإنها سريعا ستهدم الجدار الفولاذي بينها وستبني جسوراً من المحبة مجتمعة على كلمة سواء, وإن غياب الصدق في سلوكنا ومعاملاتنا سيثمر مزيداً من الاضطرابات عند الجميع.
ليبدأ الجميع الصدق في القول والعمل, ليصدق الرئيس مع شعبه, والمعلم مع طلابه, والأب مع زوجه وأبنائه, والجار مع جاره, والتاجر في تجارته, والمجاهد في جهاده, والدعية في دعوته؛ فإننا بهذا نقفو أثر نبي الهدي فلا يمكن أن نَضل أو نُضل بل سنهدى ونرشد إلى خيري الدنيا والآخرة.