بعد حمد الله عز وجل والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم نكتب المقال الثاني في فلسفة الصيام، لكننا نذكر أننا في مقالانا الأول بينا أثر الصيام على القلب وسلامته من الشرك والنفاق والضغائن والأحقاد والتي تتنافى مع الإيمان، نود في مقالانا هذا أن نبين أثر الصيام على البصر حفظًا وغضًا، فالله سبحانه وتعالى أمرنا في كتابه بغض أبصارنا عن الحرام فقال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) ولم يكتف ربنا بذكر المؤمنين رغم أن الخطاب يشمل المؤمنات كونهن شقائق الرجال إلا أن الله وجه الخطاب نفسه للمؤمنات فقال: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)، ونظراتنا إن لم تكن فجأة فهي سهم من سهام إبليس، ولما كان النظر بريد الزنا ورائد الفجور-ومعلوم قبح هذا الفاحشة وعقوبة مرتكبها بكرًا كان أم ثيبًا- أُمرنا بغض أبصارنا رجلًا ونساء شيبًا وشبانا ولم يكف رسولنا صلى الله عليه وسلم بالأمر الرباني بغض الأبصار وإنما جاءت سنته حافلة بالأحاديث التي تحذرنا من النظر المحرم وتأمرنا بصرف أبصارنا عند وقوع نظرنا بغير قصد على ما حُرم علينا فهذا جرير بن عبد الله يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: "اصرف بصرك"، وقد ضَمن النبي عليه الصلاة والسلام الجنة لمن ضمن له ستًا غض البصر أحدها، وأرشدنا عليه السلام إلى الصيام كوسيلة من الوسائل التي تحفظ بها الأبصار فخاطب الشباب -والخطاب للجميع- كونهم أحوج من غيرهم لهذه الوصية وفي هذا الخطاب فقال: "يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" وهنا يظهر لنا أثر الصيام على أبصارنا وحفظها، وأننا بصيامنا نضيق مجرى الدم فنضيق على الشيطان الذي يجري منا مجرى الدم من العروق، ولنتق الله محافظين على صيامنا ولا نلتفت إلى المفسدين في الأرض الذين يبثون سموهم من خلال فضائياتهم التي ينفق عليها الكثير محاربة لله ولرسوله وللمؤمنين فلنغتنم شهر الصيام ونحفظ أبصارنا ونترك النظر إلى ما حرم الله فنعطي الطريق حقها ومن حقها غض البصر كما أشار نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته وكذلك نعطي وسائل الإعلام المختلفة حقها بغض البصر وحفظه ولنعلم أن كل الحوادث مبدؤها من النظر، وكم نظرة فتكت بقلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر، ولنغضض طرفنا في يومنا كله ونتأمل حال من سلف في غضهم أبصارهم فهذا سفيان الثوري يقول: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا، فإننا في مدرسة الصيام ندرب على تدرك الحرام صغيره وكبيره بتركك لما أحل الله لنا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فلنكن ذوي عزيمة وإدارة وسنجد حلاوة غض أبصرنا بركة في مأكلنا ومشربنا ونقاء قلبنا وصفائها، وحفظنا للعلوم وفهما وتأثرنا بالقرآن وتدبرنا لآياته. ختاما أسأل الله أن يحفظ أبصارنا وينق قلوبنا ويصرفنا إلى طاعته ويصرفنا عن معصيته.