فلسطين أون لاين

ممرضو "المقاصد" الغزيون.. على قارعة "المعاناة" بـ"جرة قلم"

...
غزة- يحيى اليعقوبي:

أمضوا 30 عامًا يعملون في مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة، مكثوا بين أروقته أكثر مما عاشوه بين عائلاتهم، فكانت "المكافأة" في نهاية المطاف فصلهم بذريعة "الضائقة المالية"، إنهم سبعة ممرضين من قطاع غزة، وجدوا أنفسهم في "غمضة عين" بلا عمل، على قارعة المعاناة، لا يستطيعون إيجاد بديل وقد تقدم بهم السن، في ظروف صعبة يمر بها القطاع المحاصر، مرت أشهر عدة على فصلهم ومعاناتُهم تتفاقم.

يجلس وائل النجار، أحدهم، على مكعب إسمنتي في ساحة "الجندي المجهول" بمدينة غزة، بملامح شاحبة اختفت وراء ما يحمله من مشقة، وقد جاء من مخيم يبنا برفح جنوب القطاع، لإعلاء صوته لمؤسسات حقوق الإنسان.

"لدي ست أولاد، بعضهم في الجامعة، لا أخفي أني أفكر ليل نهار منذ أربعة أشهر، كيف سأؤمن لهم سكنًا وتعليمًا جامعيًّا، واحتياجاتهم اليومية، فضلًا عن أني كنت أعيل بعضًا من إخوتي وأصدقاء الطفولة من هذا الراتب".. لم يتخيل الممرض النجار الذي عمل في أقسام أطفال الخدج وهو يعرض واقعه أن يُفصل بين يوم وليلة.

يتأمل في نفسه؛ يحتار في وصف ما ألم به، تجبره على إخراج ضحكة ممزوجة بالمرارة: "أنا صار عمري 53 سنة مين بده يشغلني في غزة؟ وعندي سكر وضغط!، طبعًا ما حدا حيرضى".

يصمم الممرضون على مطلبهم بالعودة إلى وظيفتهم، كون التقاعد في مستشفى المقاصد يحصل في سن الـ67 ولديهم سنوات عديدة يمكنهم الخدمة فيها، بصوت متحسر على واقع الحال يتابع: "كنا في السابق نتغنى بالأمن الوظيفي في المشفى، وأنها مؤسسة وطنية غير ربحية، ولم نتوقع أن تتخلى عنا بعمر الزهور".

في 2016، رفض الاحتلال تجديد تصاريحهم للوصول للقدس المحتلة، ومن هنا بدأت معاناتهم، ففرزتهم إدارة "المقاصد" على مستشفيات بغزة كل حسب محافظته، قبل أن تفصلهم في شهر يوليو/ تموز 2020.

يعلق على قرار فصله: "شعرت بخيبة أمل كبيرة على هذه النهاية".

"حياة كريمة"

بقربه كان الممرض زياد أبو دية من مدينة غزة، شارد الذهن، يفكر في بناته السبع، وكيف سيؤمن الرسوم الجامعية لبعضهن، وهو الذي عودهن على الانتظام في دفع الرسوم، لم تستطِع بناته حتى اللحظة الالتحاق بالتعليم الإلكتروني الجامعي نتيجة عدم دفع الرسوم.

يقابلك أبو دية بابتسامة شاحبة باردة ترسم نفسها عنوة على ملامحه البائسة، وفي صوته ألم آخر: "توظفنا بالمشفى بعمر صغير، الآن تتفاوت أعمارنا ما بين الـ54 أو أكثر، بعدما كنا نذهب للعمل هناك في شبابنا، واستمرينا لمدة 30 عاما، تحملنا التفتيش عبر حاجز بيت حانون/ إيرز"، الانتظار، مسافة الطريق، المبيت بعيدا عن أهلنا لمدة أسبوع ثم العودة ليومين لغزة، والمعاودة للذهاب للعمل وبقينا طويلا على هذا النحو".

لا يخفي صعوبة الحال: "أربعة أشهر مرت لم أستطع توفير حياة كريمة لأسرتي، فضلا عن الرسوم الجامعية لبناتي خاصة أن واحدة منهن تدرس الصيدلة ورسومها مرتفعة"، ما يجعله يطرح سؤالًا" هناك أضعافنا ممنوعون (بذرائع أمنية) من زملائنا بالضفة لماذا طالنا الفصل نحن فقط؟".

يقول أسامة العيلة المتحدث باسم الممرضين والذي فصل هو وزوجته من المقاصد، "عملت في المشفى منذ 1987، والتزمنا عملنا حتى سرى علينا (ما يسمى) المنع الأمني من الاحتلال (...) علما أننا خدمنا بمستشفيات عدة بغزة قبل أن نفصل".

"القرار يجرح كرامتنا، وعنفواننا، بعد أن قضينا سنوات عمرنا، لم نترك فيها المقاصد، رغم أنه كنا نستطيع ذلك قبل 20 عامًا بأماكن عدة (...) أذكر أننا كنا نستمر بالعمل في المشفى لمدة أسبوع ونعود لأهلنا ليوم أو يومين، اليوم نحن على قارعة الطريق"، والكلام للعيلة.