فلسطين أون لاين

ريماس النحال.. طفلة "تلبس روح والدها تاج الوقار"

...
غزة- يحيى اليعقوبي:

لم تعرف كثيرًا عن طفولتها سوى أنها فقدت والدها على عكس ما تتمنى، كبرت ريماس النحال مع الأيام محملة بالهموم، مقيدة بأغلال الفراق، تتشارك هي واللاجئون في صعوبة الحال بين أزقة مخيم "الشاطئ" غرب غزة، فكل ركن فيه شاهد على مأساة أخرى، إلا أن كل ذلك لم يهدم حلم هذه الطفلة.

نمت داخل ريماس طاقة كبيرة بالنجاح مبكرًا والتفوق، وكانت البداية إتمام حفظ القرآن الكريم وهي لم تتجاوز 10 أعوام، لتصنع من المحنة التي مرت بها سلمًا يرسل أولى نفحاته إلى روح والدها لتلبسه تاج الوقار.

توفي والد ريماس في 2015م، فكان يعاني مرضًا عضالًا ألمّ به قبل ثلاث سنوات من وفاته، وخلال هذه المدة عانى كثيرًا نتيجة هذا المرض متنقلًا بين أروقة مستشفيات القطاع حتى خارجه، وترك خلفه أربعة من الأبناء (ثلاثة أولاد وبنتًا).

في كنف جدتها بدأت رحلة ريماس، التي ترويها لصحيفة "فلسطين" عمتُها المحفظة للقرآن إيمان: "لكوني جزءًا من العائلة أشارك في تربيتهم جميعًا، ولكن العامل الأهم في تعويضهم عن فقد أبيهم هو جدتهم التي تحاول جاهدةً تلبية رغباتهم قدر المستطاع، لعدم إشعارهم بمرارة الوحدة وحسرة الفقد".

تمر على حديثها ومضات عابرة: "كثيرة هي المواقف الصعبة التي مرت بها ريماس خلال هذه المدة، فكانت عندما تجلس لتحفظ القرآن أحيانًا تشعر ببعض الصعوبة في الحفظ، فتبكي وتنادي بصوت عالٍ: "وينك يا بابا، وينك يا بابا؟!"، ذلك لأنها تعي تمامًا أنها كانت البنت المدللة لأبيها وأنها تريده بجانبها ليساعدها، وهذا الموقف كثيرًا ما كان يتكرر وكل من سمعها في البيت يبكي ألمًا لهذا الموقف الذي لا تحسد عليه.

تفوقت ريماس بدراستها، كانت معلماتها يبدين اهتمامًا كبيرًا بها لتفوقها ونظرًا إلى حالتها الإنسانية؛ "وأيضًا عندما بدأت مسيرة حفظ القرآن في المسجد اكتشفنا قدرتها الكبيرة على الاستيعاب؛ فألحقناها بدورة القاعدة النورانية (الذهبية) فأنهتها خلال أسبوع، وحصلت على معدل امتياز"، ومن هنا بدأ اهتمام جمعية دار القرآن الكريم والسنة بها، فألحقت بحلقات الشفيع للمتفوقين في الحفظ إلى أن أتمت حفظ القرآن.

كانت ريماس وإخوتها متفوقين في دراستهم، إذ كانوا يحصلون على معدلات الامتياز، ومن هنا اكتشف أن لديهم القدرة على الاستيعاب والحفظ.

تستذكر عمتها: "عندما كانت ريماس ترافقني إلى المسجد كان لها ميول نحو حلقات التحفيظ، فكانت تحفظ بعض السور القصيرة، وبعد ذلك ألحقتها بحلقات التحفيظ في المسجد الغربي، ولاقت خلال هذه المدة اهتمامًا وتحفيزًا كبيرين من العائلة، فكانت البداية هي حفظ نصف صفحة من القرآن، وتدرج حفظها ليصبح صفحة كاملة، ثم صفحتين في اليوم".

ولم يخلُ الأمر من التحفيز: "عندما تنهي حفظ جزء من القرآن كنا نقدم لها هدية ونحقق لها ما تحب (...) الاهتمام هنا سيد الموقف، عندما تلقى تشجيعًا حتمًا ستندفع للقمة".

"دائمًا ما كانت ريماس تفكر بكيفية إلباس والدها تاج الوقار؛ والحلم تحقق بفضل الله وأنهت حفظ كتاب الله كاملًا"، لكن ريماس لم تكن الأولى بين إخوتها التي تحفظ القرآن، فسبقها شقيقها الحافظ للقرآن الكريم حمادة النحال قبل خمسة أشهر تقريبًا، تضيف العمة: "ولا يزال الحلم يطرق بابنا بأن يمن الله علينا بحفظ بقية الإخوة كتاب الله".

مثل شخص يمسك مكبر صوت على إذاعة مدرسية يتحدث بلغة عربية فصحى، ووجه يشع منه بريق الأمل، تقول ريماس ويقطر الفرح هذه المرة من صوتها: "عشت مع والدي أيامًا جميلة على صغر سني، لكن رحل مبكرًا وكانت أمنيتي أن ألبسه "تاج الوقار"، والحمد لله فعلت ذلك، والآن حلمي التفوق بالدراسة وأن أصبح دكتورة".