فلسطين أون لاين

في غزة.. فتيات "الكيك بوكسينغ" يسددن اللكمات بشغف

...
غزة- مريم الشوبكي:

وقفت ريما أبو رحمة متأهبة يلف ساعديها رباط ضاغط أصفر فوقه قفازان أحمران، تسدد لكمة "الهوك" في مستوى وجهها تارة باليد اليمنى وأخرى باليسرى، مع ركلة "كيك" متناغمة مع قدميها نحو الأمام، تطبق تمارين رياضة "الكيك بوكسينغ".

تسدد زميلتها هيام طه لكمات متلاحقة بقفازيها الأسودين نحو كيس الملاكمة، في ناحية أخرى من الصالة الرياضية.

ريما وهيام فتاتان تقطنان في حي تل الهوا غرب غزة، تلعبان في فريق نسائي لرياضة "الكيك بوكسينغ" في قطاع غزة، انضمت إليهما 18 أخريات، وتنتظر غيرهن الانضمام للفريق، ولكن إجراءات الوقاية من فيروس "كورونا" وفرض التباعد الاجتماعي يحولان دون استقبال أعداد جديدة.

ريما (22 عامًا) تبحث منذ أعوام عمن يشبع شغفها في رياضة "الكيك بوكسينغ"، لأنها لم تعثر على مدربة لهذا النوع من الرياضات، حتى وصلها خبر مفاده تشكيل أول فريق لرياضة الملاكمة من الفتيات الصغيرات، وشعرت أن حلمها سيتحقق أخيرًا.

التقطت ريما الفرصة، ونجحت في الالتحاق بالتدريب على هذه الرياضة مع فتاتين أخريين.

تقول لصحيفة "فلسطين": "عرضت الفكرة على صديقاتي ومعارفي، تفاجأت بحماسهن، وذهبنا في اليوم الأول لتدريب 10 فتيات دهش المدرب من شغفهن لهذه الرياضة، وبعد نشرنا صورنا في التدريب على منصات التواصل تفاجأنا بكم الطلبات الكبير من فتيات يردن الانضمام للفريق".

وبسبب إجراءات التباعد قسم الفريق إلى مجموعتين، 10 فتيات في كل مجموعة، يتدربن ثلاث مرات في الأسبوع مدة ساعتين يوميًّا، تواصل حديثها.

رغبة ريما الملحة في تعلم "الكيك بوكسينغ" -وهي رياضة أشمل من الملاكمة لأنها تعتمد على حركة الأيدي والأرجل معًا- تعود إلى أنها تريد اتخاذها "نوعًا من الدفاع عن النفس".

هذا النوع من الرياضة جديد على الفتيات ممارسته، ولكنهن اجتمعن على أن (الكيك بوكسينغ) "رياضة تقوي الجسم وتقوي الثقة بالنفس أيضًا".

ريما حاصلة على بكالوريوس لغة إنجليزية وفرنسية، فتاة هادئة لا تتخيل أنها يمكن أن تكون ملاكمة يومًا ما، ولكن الغريب في أمرها أنها لم يستهوِها أي نوع من الرياضات، فلم تجرب أي واحدة منها.

في أول يوم كان الحماس يملأ ريما، ورغم ذلك كان بعد الخوف يعتريها، فطلبت "طلبا غريبا": "أنني أريد تعلم الدفاع عن النفس، ولكن لا أريد أن يوجه لي أحد اللكمات، وبعد شهر من التدريب صرت أقول أهلا باللكمات والركلات".

انتهى اليوم الأول من تدرب ريما، وأخذ معه كمًّا من الطاقة السلبية، وحلت معه قوة في النفس والشخصية أيضًا.

وتعتقد ريما أن (الكيك بوكسينغ) "تمنح الجسم رشاقة لأنها تحرك كل عضلة في جسم الإنسان، فيها تكنيك ومهارة في التسديد، وليست سهلة كما يظن بعضٌ"، وهي بذلك ترد على من يعتقد أن هذه الرياضة "عنيفة، خالية من الإبهار والمتعة".

وتدعو ريما كل فتاة تحلم بلعب هذه الرياضة إلى "كسر حاجز الخوف"، قائلة: "إنها رياضة لا تقلل من هيبة الفتاة ولا تشببها بالرجال، بل تجعلهم أكثر قدرة على الدفاع عن أنفسهن"، وفق حديثها.

"سُلّم الحلم"

أما هيام فطالما تابعت في طفولتها مع والدها نزالات حلبات الملاكمة، ومن هنا حلمت أن تمارسها على الواقع أيضًا.

شغف هيام (23 عامًا) بالملاكمة لم يخفت على مدار سنوات عمرها، كان والدها هو مشجعها الأول، ومن زرع في قلبها حب الملاكمة، حينما كانت توجه له اللكمات في أثناء لعبها معه كان يخبرها بأن "عصبها" قوي.

هيام الصيدلانية حينما وجدت الفرصة لتحقيق حلمها لم تتردد، لأن "المجتمع أصبح يتقبل أن تمارس الفتاة هذه الرياضات"، وفق تعبيرها.

اصطحبها مشجعها الأول، أبوها، إلى التدريب في التمرين الأول، صعد على الحلبة قائلا: "متى سأشاهد هيام على هذه الحلبة".

رياضة الملاكمة كما تصفها هيام ليست توجيه لكمة لليمين، وأخرى لليسار، بل هي تكنيك في حركة الجسم وتناغم بين اليدين والرجلين.

تحدت ريما وهيام –كما تقولان- "نظرة البعض" بلعب رياضة "الكيك بوكسينغ"، مضيفتين أنهما "أوصلتا صوتهن للعالم" بأن المجتمع الغزي صاحب حضارة عريقة ويبني أبناؤه أنفسهم في جميع مجالات الحياة ومنها الرياضة، وليس كما يصوره الاحتلال الذي يشن عليه الحروب العدوانية المتتالية.

بلعبها هذه الرياضة التي هي مزيج مع الملاكمة التي تحب، تؤكد أنها استطاعت وضع قدمها على أولى درجات سلم الوصول إلى حلمها، قائلة: "هذا انتصار لفتيات استطعن القيام بفكرة غير نمطية، لأن بداخلهن شغفًا بتحقيق حلمهن".

والملاكمة كما توضح هيام أعطتها الثقة بالنفس، وحس الانتماء للفريق، والانضباط والالتزام بالمواعيد أكثر من أي وقت مضى.

وتختم حديثها بمقولة في رياضة "الكيك بوكسينغ" مفادها: "في لعبة الملاكمة لا يهم كم مرة تسدد، بل الأهم أن تقف سريعًا بعد الضربة"، مؤكدة أن المهم هو أن يضع المرء نفسه "على أول درجة من سلم الحلم".